إكسبو 2020 دبي.
قد يكون كوكب الأرض ونُظمه البيئية العديدة أكبر معلّم للبشرية، وقد تساعد الدروس المستفادة في حل بعض أكثر التحديات إلحاحا في العالم، وهي القضية التي جرى مناقشتها في أسبوع الغذاء والزراعة وسبل العيش في إكسبو 2020 دبي. ولكن هناك حاجة للتحول في العقلية بعيدا عن الاقتصاد الصناعي لجنى الفوائد.
وقد ناقشت الدكتورة داينا بوميستر، المؤسس المشارك لشركة الاستشارات الحيوية بيوميميكري 3.8، وأستاذة الممارسة في جامعة ولاية أريزونا، المحاكاة الحيوية، وهي ممارسة تتعلّم من الاستراتيجيات الموجودة في الطبيعة وتحاكيها لحل تحديات التصميم البشري وأداة غير مُستغلة بشكل كافٍ لمواجهة تحديات التغذية، في جلسة بعنوان "الاستدامة في إكسبو|حصاد الطبيعة: النمو المستدام من أجل عالم ينمو" يوم الجمعة 18 فبراير. وبينما يمكن أن يكون لحلول الطبيعة البسيطة آثارا بعيدة المدى، فإنها ليست جديدة بأي حال من الأحوال لدى اعتبار عمر كوكب الأرض البالغ 4.5 مليار عام، ومقارنته بآلاف السنين عندما نشأت المجتمعات الزراعية.
وقالت الدكتورة بوميستر أثناء الجلسة، وهي جزء من أسبوع الغذاء والزراعة وسبل العيش في إكسبو 2020: "في النموذج الحالي للعالم نعتقد أن الاقتصاد هو عبارة عن فقاعة رئيسية، والمجتمع هو مجموعة فرعية من الاقتصاد، وكوكب الأرض هو مجموعة فرعية من المجتمع. نحن نصمم مع الاقتصاد باعتباره النموذج المهيمن، مما يؤدي إلى الزراعة الصناعية، حيث يوجد وفرة في الغذاء، ولكن هناك أيضا وفرة في النفايات الغذائية؛ بينما يعيش الآخرون بدون أمن غذائي؛ إضافة إلى تربة مستنفدة، ومياه ملوثة، وسوء التغذية، والسمنة.. أشياء كثيرة لم تخدمنا بشكل جيد".
وأضافت: "هناك تفاوت هائل في الفرص عندما يتعلق الأمر بالزراعة المستدامة، حيث إنها لا تزال خاضعة لقواعد النظام الصناعي. فعلى سبيل المثال، لا تزال عملية وضع العلامات العضوية تخضع للعقلية الاقتصادية التي تفرض هيمنتها على كل شيء، ولا تتم استنادا إلى مبدأ الطعام هو الحياة".
ويبقى السؤال قائما: أين يكمن الحل؟ ترى بوميستر، الخبيرة في مجال المحاكاة الحيوية، أن ثمة فرصة لتطوير الزراعة المتجددة من خلال تبني نهج شامل يضم جميع الأنظمة ويضمن توفير الغذاء لجميع الكائنات الحية وليس الجنس البشري فحسب.. "هناك كائنات حية تربطها علاقات تكافلية وثيقة ببعضها البعض، مثل نبات الصبار الذي يُزهر أثناء فترات هجرة الطيور ، مما يوفر لها مصدرا رئيسيا للغذاء في هجراتها من الشمال إلى الجنوب ومن الجنوب إلى الشمال. وهناك أيضا حيوان الشمبانزي الذي يعالج نفسه بنفسه ويعرف نوعية النباتات التي يأكلها لمعالجة الأمراض المختلفة، غير أن هذا الحيوان لا يعمد إلى تفريغ الغابات من جميع النباتات؛ وإنما يـأكل ما يكفيه منها ويترك الباقي".
وهناك كثير من المبتكرين الرواد الذين أخذوا هذه الأمور بعين الاعتبار. فعلى سبيل المثال، يحاكي المبرد التبخيري، الذي استوحيت فكرته من النحل، ظروف النبات بغرض إطالة عمر المنتجات بفعالية بدون تبريد. ويعد هذا المبرد، الذي يعمل بالطاقة الشمسية، خيارا نموذجيا ومنخفض التكلفة للمجتمعات التي لا يمكنها الحصول على خدمات الكهرباء. وعلى الجانب الآخر، نجح مبتكرون آخرون في اختراع آلية صيد تحاكي الحيتان الحدباء التي تسبح في شكل دوائر وتطلق فقاعات تساعد على اصطياد الأسماك دون اللجوء إلى أي صورة أخرى من صور الصيد العرضي.
وطرحت الدكتورة بوميستر أسئلة عدة لمواجهة الأفكار الحالية من قبيل: ماذا لو استُغلت المنازل في أغراض أخرى بخلاف الإيواء عن طريق عمل حدائق فوق أسطحها؟ ماذا لو استُغلت الحدائق في تغذية المياه الجوفية وتنقية المجاري المائية؟ ماذا لو صُممت محاصيل زراعية لدعم رائدات الأعمال؟ هذه حلول ممكنة في الحقيقة. وفي مزرعة الصحراء في إكسبو 2020 دبي، على سبيل المثال، يمكن للزوار التعرف على مدى قدرة سمكة البلطي، التي تنمو بسرعة وتتكيّف مع الأجواء الحارة والمياه ذات الملوحة المرتفعة، على إثراء العناصر الغذائية وإنتاجها قبل أن ينتهي بها المطاف كمصدر غذائي للنباتات.
ودعمت الدكتورة داينا بوميستر هذه النقطة، فقالت: "إن كوكبنا موطن لمليارات من المرشدين، الذين يخلقون معا ظروفا مواتية للحياة، فيما يواصلون تغذية أنفسهم ذاتياً، ويستمروا في المشاركة في الثروة التي تقدمها الحياة، ألا ينبغي أن تكون هذه هي مهمتنا، وأن يكون هذا هو النهج الواجب علينا اتباعه لتوفير الغذاء للعالم؟ لأننا معا نشكل الطبيعة على كل حال".
بالإضافة إلى أن تصميم تيرّا - جناح الاستدامة مستوحى من مجال المحاكاة الحيوية، التي تتمثل في أشجار الطاقة ذات الألواح الشمسية التي تدور مع اتجاه الشمس، مثل نبات عباد الشمس، ويستعرض إكسبو 2020 دبي ستة متاحف مصغرة لنماذج للمحاكاة الحيوية، بهدف تعريف الزوار إلى المزيد عن هذه الممارسة، ويمثل كل منها معرضا مستقلا، يندرج تحت موضوع موطن بيئي مختلف ويمثل ثلاثة رموز حية مميزة بالوطن العربي، وهم المعلمين والمرشدين ورواة القصص، الذين يرمزون إلى: البحر والشمس والأرض، وتقع المتاحف المصغرة في أماكن متفرقة وهي: بيت الهامور، وعلى زاوية الفرسان، وشارع الغاف، وباحة هلال الفرسان، ومركز الزوّار 2، وصميم، وملعب اليوبيل.
يجمع أسبوع الغذاء والزراعة وسبل العيش صانعي التغيير، والمبتكرين، والأطراف المعنية بشأن سلسلة القيمة الغذائية على مستوى العالم، بهدف تسليط الضوء على النظم الغذائية الأكثر إنتاجية وشمولا للسكان الفقراء والمهمشين، والنظم المستدامة والمرنة بيئيا، وتقديم أنظمة غذائية صحية ومغذية للجميع، ويعد أسبوع الغذاء والزراعة وسبل العيش التاسع ضمن سلسلة أسابيع الموضوعات العشرة، التي يقيمها إكسبو 2020 طوال فترة انعقاده الممتدة لستة أشهر، في إطار برنامج إكسبو 2020 للإنسان وكوكب الأرض، الذي يوفّر منصة لتبادل وجهات نظر جديدة ملهمة لمواجهة أبرز التحديات والاستفادة من الفرص المتاحة في عصرنا.