والإقامة في الدنمارك قد تكون حلماً للكثيرين، فهي بلد جميل، المعيشة به تطيل العمر، فكل سبل الحياة الحديثة متوفرة، كل سبل الرفاهية، الدخل المرتفع، الرعاية الاجتماعية المتكاملة، الجمال، النظام، الحرية، الهدوء، حتى أنني لا أذكر أنني سمعت كلاكساً لسيارة أو أتوبيس أو شاحنة، أو حتى قطار طوال إقامتي هناك، القطار يتحرك بهدوء لدرجة أنك لا تسمعه، تلتفت فجأة فتجده وراءك، فتضطرب، فقط أتذكر رنين الدراجات ..
وقد احتلت الدنمارك عام 2000 المركز الرابع في قائمة أغنى دول العالم، حيث أعلن البنك الدولي أن سويسرا حافظت على مركزها كأغنى دولة في العالم، يليها النرويج، ثم اليابان، ثم الدنمارك، بينما جاءت الولايات المتحدة الأمريكية في المركز الخامس. وفي استطلاعات أخرى تالية تصدرت الدنمارك دول العالم في مقياس السعادة. ولكن مخطئ من يظن أن الدنمارك فقط هي هذا الوجه المثالي الجميل، فإلى جانب الجمال توجد أيضاً الجريمة والإدمان والسطو .. وهذه مظاهر موجودة في كل المجتمعات.
سجل أحد الهواة بكاميرته المصورة مشهد هروب بعض المساجين من أحد سجون كوبنهاجن، وأظهر الشريط كيف أنهم لجأوا إلى حيلة غريبة، حيث تسلل أحد المساجين إلى أحد الأوناش الكبيرة داخل السجن، وقادها، واقتحم سور السجن الذي انهار ، وأحدث فتحة كبيرة انطلق منها عدد كبير من المساجين، وصادف أن وجد في المكان المصور الهاوي الذي صور الحدث بكل تفاصيله، وساعد هذا الشريط المصور على القبض على المساجين الذين هربوا واحداً تلو الآخر ..
ظلت الدنمارك مطمحاً للكثيرين، يحلمون بالسفر إليها والعمل بها، لذلك تشهد البلاد موجات متتالية من الشباب العربي الباحث عن فرصة في غد أفضل، ولكن المشكلة أن نظام العمل والإقامة حاسم، لا يسمح بوجود الهجرة غير الشرعية، فلا مجال إلا للمقيم نظامياً، أما الآخرون فيصطدمون بالعديد من العوائق، مثلاً أن العمل لا يتم إلا بموافقة مكتب الإقامات، وترفض معظم الجهات توظيف الأشخاص إلا بمعرفة هذا المكتب.
هناك نوع من العمل الغير نظامي يطلقون عليه Black أي أسود ، وفيه يمكن للمقيم غير النظامي أن يجد عملاً، وتجربة العمل بهذه الطريقة سوداء كما يدل اسمها، لأن أصحاب العمل يستغلون عدم شرعية إقامة العامل، فيمنحون أجوراً ضعيفة قد لا تتعدى 70 كرونا في اليوم الواحد.
لذلك نلاحظ أن أعداداً كبيرة من القادمين إلى الدنمارك بتأشيرة سياحية، ويحملون بالاستمرار ، والحصول على عمل يفشلون في ذلك، ويعودون إلى بلادهم، وذلك عندما يصطدمون بالواقع المر.
في مطار كوبنهاجن قبل ر حلة العودة قابلت ثلاثة شباب مصريين حكايتهم مؤلمة، الثلاثة مرحلين بواسطة الشرطة الدنماركية إلى القاهرة، ترى ما هو السبب؟، السبب أن هؤلاء الثلاثة تعرضت حقائبهم للسرقة من محطة كوبنهاجن الرئيسية، حدث ذلك عندما قام الثلاثة بترك الحقائب على الأرض، وذهبوا للحديث في الهاتف، وعندما التفتوا لم يجدوا الحقائب، بالطبع جن جنونهم، وأخذوا يتخبطون هنا وهناك بحثاً عن الحقائب دون جدوى، وضاعت الحقائب، والمشكلة أنها كانت تحتوي على جوازات السفر الخاصة بهم.
فما كان من هؤلاء إلا إبلاغ مركز الشرطة عن سرقة الحقيبة وبها جوازات السفر، الشرطة حولتهم للسفارة المصرية، السفارة المصرية قامت بدورها في مثل هذه الحالات، ومنحتهم وثائق يسافرون بها، وقام عنصران من الشرطة الدنماركية بملابسهم المدنية بمصاحبتهم إلى المطار للتأكد من مغادرتهم البلاد كما يحدث غالباً في مثل هذه الحالات.
علمت منهم أن تذاكر السفر فقط كانت موجودة مع اثنين منهم ولم تفقد، والذي حدث أن ثالثهم الذي ضاعت تذكرة سفره منحته الحكومة الدنماركية تذكرة سفر ليسافر مع زملائه، أعجبني جداً هذا الموقف الإنساني للحكومة الدنماركية، وتساءلت في نفسي ألم يكن الأجدر والأكرم لمواطنينا ولاسم مصر أن تقوم السفارة المصرية بتقديم هذه التذكرة للمواطن المصري المنكوب، خاصةً وأنها قادرة على جزّ ثمنها من المواطن بعد عودته بالطرق الإدارية الصارمة ..؟ ، سؤال .. من يتصدى للإجابة عليه ..؟.
طلبت من هؤلاء المرحَّلين أن يشكروا رجليّ الشرطة الدنماركية والحكومة الدنماركية على هذا الموقف، بل واقترحت عليهم إرسال برقية شكر لملكة البلاد، وأشفقت عليهم في سري لحفاوة الاستقبال التي سيلاقونه في مطار القاهرة، هذه الحفاوة التي يستقبل لها كل من أضاع جواز سفره خارج الوطن.
من ذلك يتضح لنا أن الحلم الدنماركي يتحول أحياناً إلى واقع، وفي أحايين كثيرة يتحول إلى كابوس ..!