كانت أمى تجلس امام فرن الخبيز الفلاحى تلقم عيم الفرم المربعة المفتوحة أقراص الجلة ، فتزداد النار إشتعالا وتقول : هل من مزيد ، سرعان ما تقدم امى رغيف العيش العجين المطروح على الرحاية الخفيفة " المزرقة " سريعا ما أرى انتفاخ العجين تدريجيا جزء خلف جزء للرغيف ، حيث تنتفخ أوداجه وأجنابه باللون الأحمر المحبب ، حتى فاجأنى عم عبد الله البوسطجى وأنا اناول امى أرغفة العيش العجين ن وأسحب منها على اللوح الأرغفة المحمصة :
ـــــ بوستة يا نعيمه ...
ـــــ اللهم اجعله خير يا عبد الله يا خويا
ـــــ الأستاذ ابراهيم خطاب يا نعيمة ... انت عندك ولد أستاذ يا نعيمه ...؟
ــــ ابراهيم يا عبد الله
ــــ المفعوص ده .... كلب البحر
تناولت أمى الخطاب من عبد الله البوسطجى الذى أصر على أخذ الحلاوة قبل أن يمشى ، وكانت حلاوته أكثر من عشرة صاغ ورق بقليل وانصرف ...
ــــ جواب ايه ده يا ابراهيم ....
ـــــ ده بتاع الجايزة القومية الكبرى لوزارة الثقافة يا امه
ــــ انت خدت الجايزه يا ابراهيم
ــــ لسه يا امه الأسبوع الجاى
ـــــ والجواب عايز ايه يا ابرلاهيم ..؟
ــــ عايزينى أطلع جواز سفر عشان أروح ايطاليا
ـــــ منين يا ابراهيم العين بصيرة والإيد قصيرة يا ولدى
ـــــ الستار موجود يا امه
مر الوقت بطيئا وأنتهينا من الخبيز وعمل الرقاق الفلاحى وكذلك البكوم المحشو بالسكر ، واشتريت لأمى الخضار والفل المجروش والبيض والكُرات لتعمل لى صينية " قرص البيض " التى أعشقها بالعيش اللين ، كما أضافت خالتى أم محمود فرحا إلى فرحنا بالخبيز من خلال طاجن فخارى كامل من أنواع المخلالات المختلفة من البذنجان واللفت والكَبَر والجزر وغيره الكثير ، قالت أمى :
ـــــ هى أطاليا دى يا ابراهيم قد بلدنا كده ولا قد المركز بتاعنا ...؟
ــــ لا يا أمه ربما تكون أكبر من الوسية بتاعة دار العُرج ، يعنى ممكن ييجى لها خمسين حارة فى بعضهم ، ويمكن أكتر ..
ـــــ وفيها ناس زينا يا ابراهيم ....
ــــ أكيد يا امه بس مش زينا قوى
ــــ بيرطنوا ولا بتكلموا زينا
ـــــ بيرطنوا يا امه
ــــ وانت تعرف ترطن زيهم يا ابراهيم ...؟
ــــ لأ يا امه ... منين يا حسرة
أكدت أمى للحاج عدس مرعى الجزار ان كل فلوسه سوف تصله آخر الشهر لما الرئيس وقته يكون فاضى ، مؤكده له أن الرئيس ووزراء وناس كتير كبارات البلد سوف يكرمون ابراهيم ابنها فى ليلة كبيرة قوى ....
لم يستقبل عم عبد الحكم نور الدين البقال كلام أمى بمصداقية كبيرة ، وظل يطالنى بأكثر من 12 جنيها فى دفتر الشكك وفى النوته أيضا ، مقسما أن هذه أخر فرصة لنا عنده وإلا ...
شعرت بالهم بدا يصبح جبلا مرسوما وطائرا لا يغيب بين عينى أمى ، اليومية التى أعمل بها طوال اليوم فى حمل الطوب والخرسانة والرمل أحيانا لا تزيد عن ثلاثة جنيهات فى اليوم الواحد ، يبقى لأمى منهم جنيهان بعد مواصلاتى ، وراتب أبى عامل اليومية فى شركة الزيوت لا يتعدى 23 جنيها فى الشهر بعد الخصومات ، واخوتى سافروا جميعهم خارج مصر ونسيوا أننا مازلنا فى الدلجمون أحياء لا نرزق ....
قال أبى أنا استلمت اليوم استمارة من الشركة على شركة بيع المصنوعات ، تأخذ الإستمارة وتروح المركز وتشترى لك بنطلون وقميص وجذمه موريتان وجاكته وكرافته كمان يا ابراهيم ، بس فى حدود 15 جنيه لأجل رحلة أطاليا وتكريمك فى مصر ، وانزوى باكيا جوارى ...
ربت على كتفيه مؤكدا أننى لست فى حاجه إلى ذلك يابا ، سوف أذهب إلى عاطف صدقى وفاروق حسنى ومحمد حسن الالفى ومبارك وغيرهم بملابسى ، هم طالبين الشاعر يابا صاحب المركز الأول مش طالبين رشدى أباظه ولا كمال الشناوى ...
ـــــ بس يا ابراهيم أنا قصدى يعنى الـــــ ....
ـــــ خليها على الله يابا ....