القاهرة: خاص.
عارض الشاعر والناقد المصري الكبير الدكتور أحمد علي منصور قصيدة (إغتراب أ ك ف) التي كتبها الشاعر المصري الأمير كمال فرج في الثمانينيات، ونشرها الراحل الدكتور عبدالعزيز شرف بصحيفة "الأهرام"، وحققت أصداء عدة.
منصور اختار لقصيدته المعارضة عنوان (إغتراب أ ع م .. وآخرين) ، ونشرها في ديوانه (لما كان النور) الصادر عام 2011 .
ننشر هنا القصيدتين ، لنستمتع معا بسجال الشعراء الجميل الذي من أهم فضائله التفاعل الأدبي الخلاق، والاجتهاد المشترك لتقديم أروع ما لدى الشعراء من معاني وأبيات :
(قصيدة الأمير كمال فرج) :
إغتراب أ ك ف
هوِّن عليكَ ففي عينكَ أتراحُ
كلُّ الأحبةِ في ليلِ الأسى راحوا
واستوحشَ الدربُ لا صبحٌ و لا أملٌ
ولا ينيرُ ظلامَ الدربِ مصباحُ
وأدمعَ النايُ أشجتنا مقاطعهُ
وأبكمَ البوحَ جيشُ الصمتِ يجتاحُ
هل كانَ يعلمُ أحبابي الأُلى رحلوا .
أنَّا بليلٍ ولن يأتيهِ إصباحُ
أرنو إلى الافْقِ لا صوتٌ يكلمني ...
ولا رفاقٌ بأعلى مزحِهِم صاحوا
ولا حبيبٌ تضيء القلبَ طلته ...
مهندُ اللحظ عالي الحسنَ لمَّاحُ
أنادمُ البحرَ لا آتٍ يطمئنني
ولا يبينُ بأفق اليمِّ ملاحُ
وجعبةُ الحزنِ قد ذابت على كتفي
كأنني ببلادِ الموتِ سواحُ
كل الموانيءُ في البلدانِ ترفضني
مشردٌ في الليالي أينَ أرتاحُ ؟
جرحي عميقٌ ونارُ البعدِ تحرقني
من لي بطبٍ يداوي القلبَ جرّاحُ
من لي بأمي تصبُّ الشايَ لي صبحا
تقولُ : "يا ولدي الصبرُ مفتاحُ"
رحلتموا فأشاعَ القفرُ سطوتَهُ
وعربدتْ في دياجي الخوفِ أشباحُ
عودوا فإنَّ اللظى يغتالُ سوسنتي
عودوا إليَّ فإنَّ البعدَ سفاحُ
الأرضُ تسألُ والبيداءُ راجفةٌ
والريحُ تبكي الروابي ليتهم لاحوا
ثأوٍ على النارِ أقتاتُ النوى ألماً
وفي يدي من شرابِ المرِّ أقداحُ
وأرسلُ الآهَ أناتٍ أرتلها
كأنني لشعور الحزن مداحُ
إن الغريبَ صديقُ الله ظلَّلَهُ
تحميهِ في طرِقِ الأسفار أرواحُ
يا راحلا للمدى سلّم على وطني
وبلغ الأهل علَّ الهمُّ ينزاحُ
وقل لهم إنني باق على عهدي
فالعهدُ عندِيَ ميثاقٌ وألواحُ
لربما تقصدُ البشرى مرافئنا
وتعقبُ الحزنَ بعد اليأسِ أفراحُ
(قصيدة أحمد علي منصور) :
إغتراب أ ع م وآخرين
هوِّن عليكَ ففي عينيَّ أتراحُ
والحزنُ يعصف بي .. والهمُّ يجتاحُ
ويركض العمر بي .. والحزنُ محتكمٌ
أقول : يانفس .. إن الصبر مفتاحُ
لكنما الصبر لم يصبر على جلدي
فبعثرتهُ مع الآمال أرياحُ
...
بيني وبينكَ أميالٌ تفرقنا
لكنما اجتمعت في البوحِ أرواحُ
جرحي بجرحك بالآفاق متصلٌ
وما لجرح هوى الأوطان جرَّاحُ
إن كنتَ خلف تخوم اليأسِ منفردا
فكلنا في خضمِّ اليأس ننداحُ
...
عانيتَ من فرقة الأحباب مغتربا
فما الذي يفعل الأحبابُ لو لاحوا
فهم مثالك مدفونون في ظلمٍ
ممتدةٍ.. مالها في الأفق إصباحُ
كلُّ العذابات أشباحٌ تطاردنا
والحزنُ يقبضنا .. والفرحُ ينزاحُ
أحلامنا ماترى .. ليلٌ يكفننا
وكم بكى زيتَهُ المسكوب مصباحُ
...
إن كنتَ تحسبُ أن البعدَ يسفحنا
فالقرب من هذه الأوطان سفَّاحُ
ماقيمة العيش مقهورين في زمنٍ
تقض أحلامه الخضراء أتراحُ
أفواهنا في شكيم الخوف لاحمةً
فليس في شرعه الظلَّام إفصاحُ
والأرضُ باكيةٌ من طول شقوتها
وأصبحت طللا تغشاهُ أشباحُ
لا نحن موتى .. ولا أحياء من بؤسنا
فليتنا من صعيب العيش نرتاحُ
...
أشد ما يهزم الإنسان في غدهِ
يدٌ ظلومٌ .. بسيف القهرِ تجتاحُ
وأرضنا ـ ماترى ـ سجن بلا جدر
وما له ـ يانديم الحزن ـ مفتاحُ
وقد خلا العمرُ من حلمٍ ينادمه
وأصبحتْ مرةً في كأسنا الراحُ
ولم يعد في يد العشاق سوسنةٌ
ولم يعد في يد السمَّار أقداحُ
وأقفر الروضُ .. لا عطرٌ يفوحُ به
وثم وجه الأسى في الأيك صواحُ
...
فعش كما أنت .. سواحا بلا وطن
بين المرافيءِ عصفورا .. سترتاحُ
مثل الفوارس في الآفاق سانحة
وخير من يستفيد العيشَ سواحُ
يذكر أن أحمد على منصور شاعر وناقد وأثري ، له العديد من الدواوين والمؤلفات النقدية، وهو من المساهمين بشكل فاعل في الحركة الثقافية المصرية، وهو يعمل حاليا مديرا لمتحف كفر الشيخ.