باريس: الأمير كمال فرج
أجمع عدد من المهاجرين العرب في فرنسا على رفضهم للسمعة السيئة التي يلصقها البعض بالحي الثامن عشر، تجمع العرب والمهاجرين في باريس، مؤكدين أن الأحياء الشعبية روح أي بلد، وأن هذا الحي بما يتضمن من جنسيات عدة نموذج لترحيب الفرنسيين بالآخر.
والحي الثامن عشر بالعاصمة الفرنسية باريس من أكثر الأحياء حيوية وإثارة للجدل، والسبب أنه يضم أكبر تجمع للمهاجرين من العرب والجنسيات الأخرى في فرنسا، وعلى الرغم من وقوع هذا الحي في منطقة حيوية داخل باريس، ـ حيث يقع على بعد حوالي 20 دقيقة فقط بالمترو من ميدان Charles De Gaulle مركز باريس الحضاري والسياحي، واحتوائه على كثافة سكانية عالية إلا أنه يعاني دون غيره من سمعة سيئة.
وعلل محمد (شاب مغربي يعمل في مطعم) السمعة السيئة التي تلاحق هذا الحي وقال إن الأمر ربما يرجع إلى تواجد عدد كبير من المهاجرين غير الشرعيين في فرنسا، والذين يلجأ بعضهم إلى التزوير ـ على حد قوله ـ، ولكن لم أقتنع بهذا التفسير وغيره من التفاسير التي وصلت إلى القول بأن هذا الحي مركز للتعصب وخرج منه عدد ممن اصطلح على تسميتهم خطأ إسلاميين قاموا بأعمال عدائية.
زودني عامل فندق Concorde La Fayette بخريطة للعاصمة الفرنسية، وحدد لي بالقلم مكان تواجدنا وهو Porte Mailiot، والمكان الذي أرغب في الوصول إليه وهو الحي الثامن عشر Barbes Rochechouart، ولكنه بعد أن ودعني لم ينس أن يؤكد علي بالتزام الحرص، وأشار إلى الكاميرا التي أحملها مشيرا إلى إمكانية تعرضي للسرقة، نفس الأمر حدث من شابة فرنسية داخل المترو سألتها عن صحة الطريق، فحذرتني هي الأخرى من نفس الأمر وهو السرقة.
بمجرد نزولك من محطة المترو إلى الحي الثامن عشر تطالعك وجوه متباينة، شاب يمسك في يده علبة من السجائر، ويعرضها عليك ويقول بالعربية " مارلبورو.. مارلبورو"، وآخر يحاول استيقافك ليعرض عليك في يده عددا من الخواتم الذهبية، ويقول بعربية مغاربية "اشتري ذهب رخيص"، شاب هندي نصب على إحدى النواصي كرتونا، وبدا منهمكا في تقليب الذرة المشوية على قطع الفحم الملتهبة وعرضها على المارين، وكوز الذرة بيورو واحد.
على جانبي خط المترو تقع العديد من المحلات الشعبية، معظمها يملكها ويديرها عرب، اللكنة العربية تفرض نفسها والوجوه الشرقية المتعبة والشباب المتسكع والقفاطين المغربية كلها مظاهر تشعرك بأنك داخل مدينة عربية، يقول رجل خمسيني يبيع ملبوسات سورية "أنا من حلب ومقيم في باريس منذ أكثر من 20 عاما، لدينا هنا أنواع مختلفة من العباءات المصنوعة في سوريا، والأسعار تتراوح بين 15 يورو و250 يورو، وجميع العباءات مصنوعة يدويا"، الرجل رفض التصوير ولكنه لم يمانع من تصوير معروضاته، كذلك رفض التصوير مساعده المغربي الجنسية.
عربي آخر يدير مطعما شعبيا على ناصية أحد الشوارع، يساعده ابنه الصبي، المطعم يعرض دجاجا مسلوقا ومحشي الفلفل الأحمر وأرزا وكسكسي وكوارع وبعض الحلويات المغربية، يقول بسحنة مبتسمة لا تخلو من طيبة وفخر "أنا من موروكو"، اشترينا مياها معدنية بـ80 سنتا ومياها غازية بيورو واحد.
مطعم في أحد الشوارع الجانبية يديره أتراك يبيع الشاورما والكباب والكفتة والحمص وغيرها من الأكلات الشرقية، صاحب المطعم رفض زعمي بأن هذه المأكولات عربية، وأكد بعناد أنها تركية، أسعار المطعم متواضعة، وسعر الساندوتش الشاورما اللحم الكبير المرفق بكمية كبيرة من البطاطس المحمرة 4 يورو، محل يديره أتراك يبيع شرائط الكاسيت والسيديهات وأفلام الفيديو المستعملة، أمامه صندوق به شرائط فيديو لأفلام عربية مثل "رابعة العدوية" و "عائشة أم المؤمنين" و "بلال الحبشي مؤذن الرسول" و "عمر بن الخطاب"، و " فيروز" .
تعتبر محلات TATI للتخفيضات من أشهر ملامح الحي، حيث تشغل سبع محلات كبيرة تبيع الملابس والحقائب والأحذية واللانجري والعطور والكريمات وغيرها بأسعار مخفضة تبدأ من اليورو الواحد للقميص وتصل إلى 59 يورو للبدلة الكاملة.
في الشارع الرئيسي المطل على المترو لافتة عليها عنوان (جزارة إسلامية) ووجوه عربية لا يمكن أن تخطئها العين، جزار منهمك في تقطيع أوصال ذبيحته، وبائع يقف أمام شواية تحتوي على دجاج، تماما كما نرى في المطاعم السعودية، وآخر يقف أمام فاترينة تحتوي على فطير .
يقول علي أحمد "أنا مصري أحمل الجنسية الفرنسية، متزوج من مغربية، ومقيم أنا وأولادي هنا بصفة دائمة، أعمل في الحي منذ 25 عاما، وجزارة حمدان هذه جزارة إسلامية معروفة على مستوى فرنسا، صاحبها جزائري، والذبح هنا يتم على الطريقة الإسلامية، والإقبال كبير، نبيع جميع أنواع اللحم مثل البتلو والبقري والخروف، أيضا الفراخ والأرنب والبط وجميع الطيور".
وعن العمالة ونوعية الزبائن قال "الزبائن فرنسيون وأفارقة وعرب، والعمالة أكثرها من المغرب العربي كالجزائر وتونس، ومن النادر أن تجد مصريا يعمل في محل جزارة"، وعن الأسعار قال "البقري بـ 6 يورو و50 سنتاً، وعندما يأخذ الزبون 3 كيلو يوجد تخفيض، يدفع 18 يورو، وهذا يعتبر سعراً رخيصاً بالنسبة للدخل، نفس الأمر مع البتلو، فالكيلو بـ6 يورو و 50 سنتاً، وسعر الثلاثة كيلو جرامات 18 يورو، أيضا أفخاذ الفراخ 4 كيلو بـ8 يورو، والفرخة بـ3 يورو و 80 سنتاً، و5 فرخات بـ15 يورو".
وعن الصعوبات التي تواجه العربي في التأقلم مع المجتمع الفرنسي قال " لا توجد أي صعوبات، كل شخص حسبما يتطبع، أكثرية التعامل مع العرب، وقليل عندما يأتي فرنسي ليشتري، والمنطقة كلها خاصة بالعرب، والفرنسيون عموما يحبون العرب، ولا توجد أي مشاكل".
وعن الحي الثامن عشر قال "هذا الحي قديم وشعبي مثل العتبة والموسكي وباب الشعرية في مصر، 90% من المقيمين فيه عرب، والـ 10% جنسيات أخرى فرنسيون أو برتغاليون أو إسبان أو أفارقة، وهناك منطقة أخرى تبعد 5 محطات عن هنا اسمها "بيلفيل"، أكثر المقيمين فيها عرب".
وعن سبب تحذير البعض للسياح من التعرض للسرقة في هذا الحي قال "الغريب يعرف بهيئته، كأن يحمل كاميرا، فيحاولون سرقته، لذلك على السائح الاحتراز، وهذا قد يحدث في أي مكان، حتى في مصر، أي مكان به زحام تكون فيه معرضا للسرقة، بمجرد أن تخرج الفلوس يتبعونك".
وعن مهنة الجزارة التي يمارسها قال "أنا جزار أبا عن جد، كنت أعمل جزارا في سوق التوفيقية في وسط البلد، عملت في الدقي عند السبكي وأحمد شفيق أشهر محلات الجزارة في القاهرة".
وعن اختلاف ميول الشراء بين العرب والفرنسيين قال علي "هناك اختلاف كبير، العرب يشترون كيلوين أو ثلاثة أو عشرة كيلو جرامات، أما الفرنسيون فيشترون 100 جرام، أو 150 جراما، والشراء عادة يكون خصوصا يوم السبت، لأن هناك سوقاً يكون تحت المترو يوم السبت، الزحام فيه يكون شديدا"، مشيرا إلى أن العمل ضعيف هذه الأيام لأنه موسم إجازات والناس كلها تسافر.
وعن زواجه من مغربية قال " تزوجت مصرية في البداية، ولكن لم أنجح، لأن المصرية تكون مرتبطة أكثر ببلدها، كل فترة تطلب السفر إلى مصر لرؤية أهلها، وعندما أتيت لفرنسا منذ 25 سنة وفقني الله، وفي سنتين اشتريت شقة وتزوجت".
وعن موقف فرنسا من المهاجرين وما يزعمه البعض من وجود عنصرية ضد العرب قال "لا توجد أي عنصرية أو مثل هذا الكلام الذي تسمعونه، المشكلة هي أن هناك من يقيم هنا بدون تصاريح نظامية، وهؤلاء يسببون مشاكل، لأنهم يأخذون أمكنة الذين لديهم إقامات، الحكومة تريد حل مشكلة البطالة، لأن لديهم مليوناً و300 ألف عاطل، وهذا عبء على الدولة، لو لم تكن فرنسا متقدمة لكانت توقفت".
حميد شاب تركي يعمل في مطعم أكد رفضه للسمعة السيئة التي لصقت بهذا الحي، مؤكدا أن الأحياء الشعبية في أي دولة تمثل روح البلد، مؤكدا أن هذا الحي بما يتضمن من جنسيات مختلفة نموذج للتآخي وترحيب الفرنسيين بالآخر، وهي من أفضل سمات الشعب الفرنسي.
يوسف لالماس (شاب جزائري يحمل إقامة في فرنسا) مقيم في فرنسا منذ 10 سنوات، ويعمل في مجال السياحة، يقول"بعض المهاجرين لا يحرصون على الاندماج في المجتمع، مثلا أعرف عربيا يعيش في فرنسا منذ 40 سنة، ولكنه لا يتكلم كلمة فرنسية، وهذا خطأ، والمطلوب أنك عندما تحضر إلى بلد أن تتعلم كيفية العيش في هذا البلد، وتحقيق الاندماج بين التقاليد الشرقية والغربية سهل، فأنا مثلا أعيش في فرنسا تماما كما كنت أعيش في الجزائر".