يوسف عزالدين يكتب : الأمير كمال فرج وقصائد رقيقة لم يجرفها التكلف
الدكتور يوسف عز الدين
اختلف النقاد في معنى كلمة الشعر باختلاف البيئة والمثل الاجتماعية والتطور الحضاري، فقد قال قدامة بن جعفر مقولته المشهورة عن الشعر بأنه القول الموزون المقفى، واشترط وجود المعنى فيه، وأن تكون القافية من مزاياه، وأتفق أكثر النقاد العرب القدامى على هذا الإطار الفني للشعر مثل ابن طباطبا، وبأنه الكلام المنظوم الذي يختلف عن النثر الذي يستعمله الناس في أحاديثهم.
وقد وضع المرزوقي حدودا للشعر وقواعد يجب أن تتوافر فيه، أي أنه وضع منهجا معينا وطريقة معروفة لنظم الشعر، وبغيرها لا يكون الكلام شعرا، ففيه شرف المعنى وصحته وجزالة اللفظ، واستقامته، والإصابة في الوصف والتحام أجزاء النظم، وأن يكون الوزن لذيذا، ولا يبتعد اللفظ عن المعنى، وألا يكون هناك تنافر بين المعنى واللفظ، وبذلك كانت الموسيقى العذبة والمعنى وقوة النسج من أهم قواعد الشعر الجيد.
فالشعر ماكان موزونا وله معنى من المعاني التي تفيد القاريء وتؤثر فيه عند قراءة الشعر، ومتى كان ملتزما برقة الأسلوب وجمال المعاني فقد أتم رسالته الفنية، وأحس عندها المتلقي برسالة الشاعر ومايريد أن يوصله.
والشاعر الأمير كمال فرج في ديوانه "أغنيات إلى سيدة الحسن" رقيق الأسلوب، رومانسي المعنى والمبنى، وقد التزم الشاعر بالأساليب الجيدة والألفاظ الجميلة، وهو صادق العاطفة عميق الشعور، وقد وجدته موحد الموضوع، وقد جاء شعره في الغزل، والنسيب جميل الكلمات ، حلو الوقع.
والشاعر من الشعراء الرومانسية الجميلة التي أخذت تفقد مكانتها العالية بين الشعراء بعد أن غزاهم الغرب بالفلسفة المادية والغموض والألغاز والأساطير الأجنبية التي أصبحت السمة لبعض هؤلاء حتى استحال الشعر عندهم إلى أحجيات ورموز بعيدة عن العاطفة الصادقة والبيان المشرق، فماعاد المتلقي يفهم مايريدون لأنهم أنفسهم لا يعرفون ما ينظمون.
تظهر الطبيعة ومافيها من محاسن واضحة كل الوضوح في شعر الشاعر ، فنسمع صوت العصافير تزقزق، وخرير الماء في النهر، وهدير البحر في "استانللي" وهمسات الشوق في حنايا كل بيت من القصيدة. زمن طريف ماجاء في شعره الحديث إلى صندوق البريد عندما ينتظر الشاعر رسائل المحبين، فقد قال :
عذرا ياصندوق بريدي فالحلوة تشدو بوريدي أرهقتك بالفتح مرارا مابين غرام وصدود في اليوم أزورك مرات وأعود بحزن وشرود أنتظر خطابا لا يأتي وأمان لم تلق حدودي
إنها خيبة أمل المحب الذي لم يجد رسالة تفرج عنه كربة حبه وحزتنه، ولكن الأمل يداعبه في النهاية فيقول : فمتى صندوقي تحنو وألاقي في قلبك عيدي
والشاعر دائما غريب الروح قلق النفس إذ لا تسعه الدنيا ولا تقدر على سد طموحه، وتظهر الروح الرومانسية واضحة في صور جميلة، في قوله يصف غربته :
هاجرت بعيدا كي أنسى أحزان العشق فهل أنسى في الغربة ثارت أحزاني ووجدت الحزن هنا أقسى قلبي بحار في الدنيا دوما يشتاق إلى مرسى
ومن جميل صوره قوله: تتمشى كقصيدة شعر حسناء النظم عمودية إن روح البساطة والسلاسة واضحة كل الوضوح في نظم الشاعر. وله صور جميلة يصور فيها الحبيبة وهي تحفظ شعره أكثر منه وتعتني به عناية كبيرة، يقول فيها:
هي تحفظ دوما أشعاري تقرأها ليلي ونهاري تحضنها كطيور أخذت تحتضن ربوع الأشجار تصنعها عقدا يتجلى في الجيد بهي الأنظار تحفظها تحت وسادتها تطلقها عبر الأقمار أحيانا أنسى أبياتا فتذكرني ياللعار
ومن أبياته الجميلة التي تعد من الشعر الوجداني العميق الصدق قوله: كوني لي وطنا وخليله ومرافيء حب وخميلة كوني لي ليلا ونجوما تنساب على الأفق جميلة.
ومن جميل شعره الصبابات التي تذوب وجدا والدموع التي تؤرق الليل. إنها صورة جميلة، فقد حرك سكونها بوجده الأصيل، وحنوه ووجده الذي يذوب رويدا في القلب :
القلب تتالت أدمعه في الليل تأرق مضجعه كم بات وحيدا يتمنى يشكو لليل وأسمعه ويصوغ الوجد صبابات فتذوب رويدا أضلعه
إن الأمير كمال فرج من شعراء الوجدان، ويمكن ان يغنى شعره ، لما فيه من رقة سلسة وجرس موسيقي حلو.
ومن أبياته التي اندمج فيها بكل رقة وشفافية بالطبيعة عندما وصف سنابل الحنطة وحقول الورد وأزهار الحب وتمايل السنابل عطرا على السنطة: تتمايل أزهار الحنطة والعطر يميل على السنطة وأنا ومليكة أحلامي بالحب قلوب مرتبطة ينساب الشعر لنا صفوا نتوسط في فرح شطه فتميل علينا في خفر أزهار الحب المنبسطه
وتلمس آثار الزهور والورود وشذاها الفواح في كثير من أبياته، لأنها ترانيم حب صادق وألحان شوق عميق، ومشار رقيقة حلوة، والصورة الجميلة هي اشتياق المحب شوق طيور النورس الذي يحمل الحنين الدافق العميث.
ومن جميل صوره وصفه لحركة الصبح وهو يهدي عطره ومعانقة الطيور للأغصان: الصبح أتى يهدي مسكه والطير يحط هنا يشدو ويعانق في شغف أيكه وصبايا النهر لنا تهفو وتميل اللحن على لحن الدبكة
إنها صور كثيرة أرجو أن يقرأها القاريء المتذوق ، وسيجد فيها حلاوة الجرس، وجميل الأداء، وسلاسة العبارة.
*نشرت بمجلة "المنهل"
تاريخ الإضافة: 2014-04-30تعليق: 0عدد المشاهدات :1847