ما هو سر انتشار "النميمة الصحفية" ..!؟، سؤال خطر على ذهني ذات يوم بعدما انتهيت من تصفح كومة الصحف والمطبوعات التي أطالعها كل يوم، والنميمة الصحفية أقصد بها هذه الأبواب والزوايا التي تتحدث عن أناس دون أن تصرح بأسمائهم، وتنسب إليهم من ضمن ما تنسب وقائعا وأسرارا ونواقص ربما تكون حقيقية أو من نسج الخيال.
والغريب أن عددا كبيراً من المطبوعات يتبع هذا الأسلوب الغريب الذي يتنافى بالطبع مع تعاليم الدين التي ترفض النميمة ومن يمشي بها بين الناس (هماز مشاء بنميم)، وربما كان مرد ذلك حرص هذه المطبوعات على جذب القارئ الذي غالباً ما تستهويه هذه الأسرار والأخبار المثيرة ... وتستهويه أيضاً محاولة التعرف على الشخصية المقصودة وتحديدها، وربما مرد ذلك في أحيان أخرى افتقاد هذا النوع من الصحافة للحرية والشجاعة الكافية وخوفاً من الوقوع في دائرة المساءلة والعقاب.
ولكن الأكثر غرابة هو وجود هذه الظاهرة في الصحافة الأدبية، حيث لوحظ أن بعض الصفحات الأدبية تتبع هذا الأسلوب، وهو برأي أسلوب شاذ غير مقبول برز في غياب الوعي بماهية الصحافة الحقيقية وأدواتها ووسائلها، فإذا فرض – لاحظ أنه فرض – أننا قبلنا – على مضض – هذا الأسلوب في الصحافة العامة بدعوى النقد وإبراز العيوب والأخطاء والتعود على ذلك فإنه من الصعب أن نقبل ذلك في الصحافة الأدبية، لأن الإبداع الأدبي رسالة لها مقوماتها المختلفة التي تختلف عن مقتضيات الصحافة السيارة، وفي مجال الإبداع عندما نريد النقد والتوجيه وإصلاح العيوب فهناك علم خاص بذلك وهو (علم النقد الأدبي)، وهو علم رائد له قواعده وأهدافه، ومن أراد النقد فالمجال متاح لمن يملك أدواته في النور دون تورية أو تخف.
إنني في الحقيقة اشمئز من هذا النوع من الأخبار الذي أطالعه أحياناً في بعض الصحافات الأدبية وهي أخبار تثير الأسى والمقت، فهذا (شاعر يسرق أعماله)، وهذا (ناقد وأستاذ جامعي موهوم)، وهذا (صحفي قليل الأدب رفض نشر أعمال قاصة إلا إذا ..) إلى غيرها من الأخبار الشاذة التي تفيض بسوء النية والغرض الشخصي وقصور الثقافة والوعي.
وجود هذه الظاهرة في الصحافة الأدبية دليل على غياب النقد الصحيح وعلامة على خلل جديد في صحافتنا الأدبية يضاف إلى قائمة الجراح أقصد قائمة الاختلالات التي يجب أن نعالجها.
الأدب رسالة سامية ويتجلى هذا السمو في كافة جوانبه حتى في جانب النقد، لذلك فإن علينا جميعاً أن نحافظ على هذا السمو ، ونعي كيفية النقد الصحيح، والبعد عن النميمة، لأن البعد عن النميمة ... غنيمة !.