يقول الناس "الحاجة أم الاختراع" وهو قول صائب إلى حد كبير فحاجة الإنسان إلى شيء ما كانت دائماَ الدافع الرئيسي للبحث عنه والتفكير لاختراعه، وهو قول ينطبق على كل الأشياء التي شهدها الإنسان منذ العصر البدائي القديم حتى الآن، فكل شيء وجد في هذه الحياة له فائدة حتمت وجوده وميلاده.
وهذا لا ينطبق فقط على مخترعات الإنسان نفسه وإنما ينطبق أيضاً على خلق الله عز وجل فقد خلق الله لكل شيء فائدة ووظيفة حتى ولو كان كائناً ضئيلاً لا يرى بالعين المجردة.
فإذا كان لكل شيء حيا أو جمادا، محسوساً أو مرئياً، ملموساً أو غيبياً فائدة وجدوى في هذه الحياة، فما هي جدوى الكتابة ..؟!
مع إيماننا أن الكتابة "رسالة" ومعنى نبيل أنتجته البشرية على مر العصور، إلا أنه يجب أن تكون هناك مبررات لوجودها حتمت هذا الوجود بطرق بسيطة بدائية عند نشأتها، وبالتدريج ومع تنامي حاجة الإنسان واتساع مداركه تطورت وأصبح لها وظيفة عظيمة تؤديها في الحياة.
فما هي وظيفة الكتابة إذاً ..؟!، يختلف الناس حول الكتابة كما يختلفون حول كافة الأشياء، وكما يختلفون حول وظيفة الفن نفسه، فهناك من يعزو الكتابة إلى الهدف الجمالي، وهناك من يعزوها إلى التوجيه والعلم، وهناك أيضاً من قدموا تعريفات مجازية استعارية مختلفة تدور في فلك الأهمية والقدسية ..!، ولعل شكسبير محق تماماً عندما قال (دم الكاتب مقدس كدم الشهيد).
وهكذا نكتشف أن الآراء متباينة والمفاهيم مختلفة، ولكن هناك أساس تجتمع عليه كل هذه الآراء فللكتابة دور تعبيري وإعلامي وتوجيهي وتعليمي في آن واحد، وهو دور من أهم الأدوار في حياة البشرية وربما يكون أهمها على الإطلاق، ففي الكتابة يجتمع العلم والثقافة والإعلام والتوجيه والتعبير والترفيه أيضاً .. وكلها مجالات يحتاج إليها الإنسان ولا يستطيع الاستغناء عنها، من هنا كان مبرر الكتابة ووجودها، فالكاتب هو عقل الأمة به تفكر وبه تنمو وتتطور.
ولعل الدليل على أهمية الكتابة في حياة الإنسان ذلك القسم الذي أنزله الله عز وجل في كتابة الحكيم { ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ}، وهو قسم يعطي لنا مؤشراً على عظمة الكلمة ومسؤوليتها فالكلمة وردة وطلقة ونور ووعي.
ويخطئ من يظن أن الكتابة قد تراجعت في هذا العصر بفعل التطور التكنولوجي الهائل في الاتصالات السمعية والمرئية والفضائية، فمهما تطورت سبل الحياة ستظل الكتابة الأهم والأوثق والأكثر قرباً ووقعاً وتأثيرا في ذاكرة الإنسان.
قيل عند ظهور التلفاز أنه سيأخذ عرش القراءة، ولم يحدث هذا وظل الكتاب كما هو، وعندما ظهر الجهاز المرئي (الفيديو) قيل نفس الكلام وقيل أنه سيؤثر على صناعة السينما، ومرت الأعوام ولم يحدث ذلك أيضاً وظل الكتاب كما هو أهم مصدر معرفي للإنسان.
ولكن الأهم هو دور الكاتب تجاه هذه الرسالة، فالكاتب الحقيقي يجب أن يعي جيداً رسالة الكلمة ويؤمن بها ويسعى إلى تحقيقها، وإذا كان الله تعالى في كتابه الحكيم يقول { مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} فما بالك بالكلمة الأوثق والأبقى وقديماً قال الشاعر:
وما من كاتب إلا سيفني
ويبقى الدهر ما كتبت يداه
فلا كتب بكفك غير شيء
يسرك في القيامة أن تراه
هامش : ملك أم .. كتابة ..؟