الثقة صفة جميلة يجب أن نتحلى بها، والغرور صفة ذميمة يجب تجنبها حتى نحافظ على التوازن الذي تتطلبه الفطرة الإنسانية السوية، أما الثقة فهناك العديد من المعاني التي تدور حولها، وتؤكد ضرورة وجودها في الإنسان، فالثقة هي الاعتداد بالنفس، والوعي في التفكير، والحرص على التميز ، وهي سمة المؤمن ، ومنهج اللبيب، وديدن الأكفاء والمتميزين، وهي عند المرأة تاج العقل وآية الجمال، يقول الشاعر بتغريد كوكب الشرق "واثق الخطوة يمشى ملكاً"..
أما الغرور فهو التعالي والتفاخر، ويكفي للتنفير منه ما ذكره الله تعالى في وصف المغرورين المتعالين على البشر ، وتتجلى حكمة النهي عنه في قوله تعالى "إنكَ لن تخرقَ الأرضَ ولن تبلغَ الجبالَ طولاً"، كما نرى تحدياً رائعاً للتوازن المطلوب بين العزة والتواضع في وصايا لقمان لابنه حيث يقول "ولا تصعِّر خدكَ للناسِ، ولا تمش في الأرض مرحاً، إن الله لا يحب كل مختالٍ فخور" .
والمغرور خارج عن الفطرة الاجتماعية السوية، يتجنبه الناس وينتقدونه سراً وعلانية، والمغرورة امرأة تلفظها العيون، وتتجمد عندها أحرُ المشاعر، وأسوأ ما في المرأة غرورها، لذلك كانت أجمل النساء تلك الجميلة التي لا تعرف أنها جميلة، بمعنى أنها رغم جمالها تتصرف بتلقائية وعفوية، وكأنها ليست جميلة، فتصبح بذلك أجمل، ومع ذلك هناك من يعجب بغرور الأنثى، وهذا النوع نهايته مؤلمة، لأن الحبيبة المغرورة لن تترك العاشق غالباً إلا بعد أن تطمئن عليه قرير العين في "العباسية"..!
ومن أجمل الأغاني التي كُتبت عن الغرور أغنية العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ "مغرور حبيبي كتير" والتي يصور فيها موقف العاشق من محبوبته المغرورة، هو يريد أن يكلمها ويفهما، وهي تتأبى، ولا تريد أن تسمع الكلام، وبعد أن أعيت العاشق "المحايلة"، يقرر أن "يسيبها" للأيام "هيه تعلمه..".
ومع افتراق السبل بين لفظي "الثقة" و"الغرور" هناك شعرة بسيطة تفصل بينهما، هذه الشعرة التي تجعل الكثيرين لا يميزون بينهما فتختلط عادةً الأمور، ويضيع هذا وذاك..!
ويتكون الغرور أساساً نتيجة تمتع المرء بميزة معينة تدفعه إلى اعتزاز أكبر بالنفس، ووضع نفسه في إطار أعلى من الآخرين، وهذا النوع – في رأيي- هو المألوف والمقبول، ولكن أخطر ما في الغرور هو ذلك النوع الذي لا يتمتع فيه المرء بأي ميزة، ومع ذلك تراه متعجرفاً متعالياً تماماً كما صوره مصطفى حسين في شخصية "عبده بيه الأليت" الكاريكاتيرية.
فالأول نلتمس له العذر لأن لديه ما يمكن أن نسميه "مقومات الغرور" – إن صح التعبير- وهو التميز الحقيقي، أما الآخر فماذا نفعل معه؟!
والأديب أكثر الناس ذاتية، ولا عجب في ذلك، فمن خلال هذه الذاتية يكتب ويبدع ويوجه العالم ..، وفي الحب تتأكد الثقة، ولست مع من يزعمون بأنه لا كرامة في الحب فما أجمل الكرامة فيه، والمحب الحقيقي يحب بثقة وعزة نفس، ولعل "ثومة" هي خير من جسدت وعلمت الكرامة في الحب من خلال أغانيها الخالدة. تقول في إحداها "أنا يا حبيبي صحيح باتسامح / إلا في عزة نفسي وحبي"، وتقول في أخرى "أصون كرامتي من بعد حبي"، وما أروعها عندما تغني شعر أبي فراس الحمداني:
نعم أنا مشتاقٌ وعندي لوعةٌ
ولكن مثلي لا يذاع له سرُّ
وتغني أيضاً :
وأصور لك ضنى روحي
وعزة نفسي منعاني
ويعتبر أحمد رامي أول من أحدث انقلاباً في الأغنية العاطفية في أغانيه التي كتبها لأم كلثوم، فبعد أن كانت الأغاني قبله تضع العاشق في موقف الضعيف ، جاء رامي ليجسد كرامة العاشق والكبرياء في الحب لتغني أم كلثوم لأول مرة بلهجة العاشق الواثق القوي وتقول :
حب إيه اللي أنت جاء تقول عليه
إنت عارف قبله معنى الحب إيه
وأسوأ العاشقين نموذج العاشق الذليل الذي يقنع من محبوبته بنظرة عابرة أو ابتسامة مقتضبة ، والذي صورته أغنية "شحات الغرام" لمحمد فوزي وليلى مراد ، هذا النموذج الذي ربما يصلح للقرن الأول ولا يصلح للقرن الحادي والعشرين ..!!
أي بنيّ ..
تحلَّ بالثقة .. واطلب ما شئت بعزة النفس الأبية وكرامة الأحرار... ولكن المهم أن تحافظ على الشعرة التي تفصل بين الثقة .. والغرور ، وإذا اتهمك عندها أحدهم بالغرور قل له : عفواً أنا مغرور ..!