تسجيل الدخول
برنامج ذكاء اصطناعي من غوغل يكشف السرطان       تقنية الليزر تثبت أن الديناصورات كانت تطير       يوتيوب تي في.. خدمة جديدة للبث التلفزيوني المباشر       الخارجية الأمريكية تنشر ثم تحذف تهنئة بفوز مخرج إيراني بالأوسكار       الصين تدرس تقديم حوافز مالية عن إنجاب الطفل الثاني       حفل الأوسكار يجذب أقل نسبة مشاهدة أمريكية منذ 2008       تعطل في خدمة أمازون للحوسبة السحابية يؤثر على خدمات الإنترنت       حاكم دبي يقدم وظيفة شاغرة براتب مليون درهم       ترامب يتعهد أمام الكونغرس بالعمل مع الحلفاء للقضاء على داعش       بعد 17 عاما نوكيا تعيد إطلاق هاتفها 3310       لافروف: الوضع الإنساني بالموصل أسوأ مما كان بحلب       فيتو لروسيا والصين يوقف قرارا لفرض عقوبات على الحكومة السورية       بيل غيتس يحذر العالم ويدعوه للاستعداد بوجه الإرهاب البيولوجي       ابنا رئيس أمريكا يزوران دبي لافتتاح ملعب ترامب للغولف       رونالدو وأنجلينا جولي ونانسي عجرم في فيلم يروي قصة عائلة سورية نازحة      



دعاة الحزن ودعاة الفرح | الأمير كمال فرج


تعلمنا في المرحلة الثانوية في مادة الأدب أن المعاناة هي مصدر التجربة الشعرية الصادقة، فالشاعر عندما يمرّ بتجربة حزينة ينتج لنا ذلك أدباً صادقاً، ودرسنا ضمن ما درسنا نصوصاً شعرية تنطق وتفيض بالمعاناة اعتبرها مؤلفو الكتب المدرسية نماذج للتجربة الشعرية الصادقة، لعل أشهرها قصيدة (في سرنديب) للبارودي التي عبر فيها باقتدار عن مشاعره وأحزانه العميقة ولواعجه وحنينه للوطن وهو في منفاه بجزيرة سرنديب. يقول فيها "لكل دمع جرى من مقلة سبب .. وكيف يملك دمع العين مكتئبُ".

 تعلمنا وحفظنا – عن ظهر قلب – أن التجربة الإنسانية الحزينة تنتج لنا نصاً إبداعياً صادقاً ومبدعاً، حتى التعبير عن الفرح يجب أن تتخلله وتكون دافعه المعاناة لكي يحصل الشاعر على صك "التجربة الشعرية الصادقة"، وكنت في هذه السن الحديثة أستغرب هذا الموضوع وإن كنت لا أملك أن أرفضه.

وعندما كبرنا وأدركنا حرفة الأدب. وجدنا هذا الاعتقاد سائداً في النقد والنظريات الأدبية حتى في العرف العام، فكان ذلك أدعى لدهشتنا أكثر.

 الناظر للشخصية العربية سيجد أن للحزن مكانة كبيرة لديها، ربما يرجع ذلك إلى الطبيعة التي نشأ عليها العربي وتكونت بها الشخصية العربية، فقد ولد الشعر على صوت حداء الإبل، ونشأ العربي في البادية حيث الصحراء والوحدة والارتحال الدائم وراء الكلأ، والخوف من حيوان مفترس، أو قاطع طريق، أو عاصفة مفاجئة، ينتظر الحبيبة التي رحلت، هذه الطبيعة الصحراوية الصعبة أفرزت لنا حالة خاصة انفرد بها العربي عن غيره انعكست لا شك على وجدانه ومشاعره، وأصبح الحزن من مفردات الشخصية العربية، وأصبح له هذه المكانة العالية في نفوسنا.

 وقد انعكس ذلك على شخصيته من ناحية، وعلى ما أنتجه من أفكار من ناحية أخرى، والناظر لتراثنا العربي والأدبي خاصةّ، سيجد دلائل كثيرة على ذلك، ولعل وجود غرض شعري خاص مثل (الرثاء) في الشعر العربي أحد الأدلة على ذلك.

 احتل غرض النسيب والبكاء على الأطلال مكان الصدارة في الشعر الجاهلي حتى أصبح من معالمه الفنية والجمالية، فحرص الشاعر على بداية القصيدة بالغزل والبكاء على طلل الحبيبة، وذكر المحبوبة التي رحلت، والتعبير عن آلامه وأحزانه لذلك، ثم يدخل بعد ذلك في الغرض الأساسي للقصيدة.

لقد أصبحت مفردات الحزن والألم مترادفات ومقومات للصدق عند العرب، فالحبيب عندما يتألم ويعاني في سبيل حبه يكون ذلك دليلاً على صدقه في هذا الحب ويكون ذلك وسيلة للفخر والتباهي، هذه المعادلة .. معادلة ترادف الحزن مع الصدق تنفرد بها الشخصية العربية، ولعل هذا سر الربط بين الحزن والنبل عند العرب.

 الحزن والتضحية والفناء من أجل المحبوبة معان طبيعية لدى العربي ذات صلة كبيرة بنشأته وتكوينه النفسي، حتى أننا في موروثنا الحياتي العادي عندما نود أن نعبر عن شدة الحب نقول (بحبك موت) .. أنظر .. موت ..!، وعندما نضحك بشدة نتشاءم ونقول "اللهم اجعله خير".

 والملاحظ أيضاً انظر الملل والنحل أدب الحزن هذا له تقدير ليس عند العرب فقط وإنما في العالم أيضاً، وأذكر أن رواية (صباح الخير أيها الحزن) للأديبة فرانسوا ساجان حققت عند صدورها مبيعات هائلة.

 ومن الجوانب البديهية التي يتفق معها علم الاجتماع أن الواقع المؤلم ينعكس بآثاره على النفس البشرية، فإذا كان الشاعر يعيش واقعاً مؤلماً يرزح تحت التوتر السياسي أو صعوبة العيش أو مشكلات الحياة سيرجع ذلك كفة الحزن في إبداعه، وإذا كان عائشاً في واقع جميل ومعيشة رغدة واستقرار سياسي ونفسي وعائلي سيرجح ذلك كفة الفرح لديه.
 على سبيل المثال .. شاعر مثل عبدالحميد الديب الذي لُقب "بشاعر البؤس" عاش واقعاً مؤلماً طوال حياته وعانى من الفقر والعوز، فأنتج لنا هذا الواقع شعراً مبدعاً يفيضُ بالأسى والألم، فجاءت جميع قصائده حزينة تنطق حروفها بالألم والمعاناة، فهل تنتظر من شاعر كهذا أن يكتب قصائد فرحة تفيض بالبهجة والسعادة ..!

 يقول الديب: وهام بي الأسى والبؤس حتى .. كأني عبلة والبؤس عنتر/ كأني حائط كتبوا عليه .. هنا يا أيها المزنوق (...)
 
ويقول صلاح عبدالصبور :
من أين آتي بالكلام الفَرِحْ ..؟!
 
ولكن هذه النظرية تبقى دائماً نسبية لا يمكن إقرارها في كل الأحوال، لأن الشاعر الحقيقي قادر دائماً على تقمص التجربة الإنسانية حتى لو لم يمر بها، ولذلك أيضاً لا نستطيع قبول النظرية الغريبة التي طرحها النقاد والتي كنا نستغربها صغاراً والتي تزعم أن الفرح أيضاً يجب أن تتخلله المعاناة حتى يضمن الشاعر الإبداع والتجربة الشعرية الصادقين ..!

 ومن النظريات الخاطئة أيضاً الاعتقاد الخاطئ الذي يؤمن به البعض والذي يتصور الأديب الحقيقي المبدع أديباً فقيراً محطماً من جلاس المقاهي، وينفي صفة الإبداع عن الشعراء الأغنياء الذين يقودون السيارات الفارهة ويستخدمون العطور الباريسية الفاخرة.

 نسي أصحاب هذا الزعم شاعراً كبيراً مثل أمير الشعراء أحمد شوقي بك الذي عاش حياة رغدة وولد وفي فمه حسب التشبيه الدارج (ملعقة من ذهب) حيث كان خير من عبر عن أغراض الشعر المختلفة ومن بينها المعاناة الإنسانية.
 فرض المعاناة كشرط في الشعر العربي لتكون التجربة الصادقة يجب أن ينتهي لأن الإبداع والصدق معنيان ومقومان لهما مدلولاتهما الخاصة ذوا صلة مباشرة بالشاعر ومقوماته الإبداعية الخاصة.

 والسؤال الآن .. لماذا يكون الحزن فقط مصدراً للتجربة الشعرية الصادقة ..؟، ولماذا نكون نحن الشعراء – مع تقديرنا للمعاناة كمعنى إنساني – دعاةً للحزن والهم والمواجع ..؟، انظر إلى الأغاني التي تبث على مدار الساعة ستجدها كلها حزينة، أنظر إلى دواويننا الشعرية ستجد جميع قصائدنا تفيض بالأسى والوجع.!، الحزن يسري في أبياتها وينخر حروفها وقوافيها، والعمر يضيع سدى ..!

السؤال بشكل أكثر تحديداً .. لماذا لا نكون نحن الشعراء دعاةً للفرح ..؟!
تاريخ الإضافة: 2014-04-28 تعليق: 0 عدد المشاهدات :1526
0      0
التعليقات

إستطلاع

مواقع التواصل الاجتماعي مواقع تجسس تبيع بيانات المستخدمين
 نعم
69%
 لا
20%
 لا أعرف
12%
      المزيد
خدمات