تسجيل الدخول
برنامج ذكاء اصطناعي من غوغل يكشف السرطان       تقنية الليزر تثبت أن الديناصورات كانت تطير       يوتيوب تي في.. خدمة جديدة للبث التلفزيوني المباشر       الخارجية الأمريكية تنشر ثم تحذف تهنئة بفوز مخرج إيراني بالأوسكار       الصين تدرس تقديم حوافز مالية عن إنجاب الطفل الثاني       حفل الأوسكار يجذب أقل نسبة مشاهدة أمريكية منذ 2008       تعطل في خدمة أمازون للحوسبة السحابية يؤثر على خدمات الإنترنت       حاكم دبي يقدم وظيفة شاغرة براتب مليون درهم       ترامب يتعهد أمام الكونغرس بالعمل مع الحلفاء للقضاء على داعش       بعد 17 عاما نوكيا تعيد إطلاق هاتفها 3310       لافروف: الوضع الإنساني بالموصل أسوأ مما كان بحلب       فيتو لروسيا والصين يوقف قرارا لفرض عقوبات على الحكومة السورية       بيل غيتس يحذر العالم ويدعوه للاستعداد بوجه الإرهاب البيولوجي       ابنا رئيس أمريكا يزوران دبي لافتتاح ملعب ترامب للغولف       رونالدو وأنجلينا جولي ونانسي عجرم في فيلم يروي قصة عائلة سورية نازحة      



حفلة بكاء | الأمير كمال فرج


قليلة عدد المرات التي بكيت بها في حياتي، فانا أبكي – كما يبكي الناس –عند فقد عزيز أو فراق حبيبة، ولكني أعترف أن دموعي قريبة، وهي ليست بالضرورة راجعة إلى أسباب شخصية، فأنا أحياناً أبكي بالنيابة، عندما أرى ظلماً يقع على إنسان، أو طفلاً يبكي، أو فيلماً إنسانياً مؤثراً، أو واقعاً مؤلما لا أستطيع تغييره، وعندما يأتي البكاء أحتفي به وابتهج، وأجلس وحدي عند النافذة، وأستسلم لطقوسه النبيلة.

وللبكاء دائماً أسباب، فلا يوجد إنسان يذرف الدموع دون دافع داخلي قوي كما قال البارودي:
لكلِ دمعٍ جرى من مقلةٍ سببُ
وكيفَ يملكً دمعَ العينِ مكتئبُ
لولا مكابدةُ الأشواقِ ما دمعتْ
عينٌ ولا باتَ قلبٌ في الحشا يَجبُ
والبكاء ليس عاراً كما يتصوره البعض، فهو تعبير طبيعي عن مشاعر إنسانية، فرحة كانت أم حزينة، ولكن الرجل العربي تَرَبى بطريقة خاطئة، فدأبنا على استهجان البكاء، وكان الأب يقول لطفله الصغير: لا تبك .. كن رجلاً .. فالرجل لا يبكي، وكأن البكاء ضد الرجولة ومقتصراً فقط على النساء، بل إن البعض يضربون صغارهم إذا بكوا، فيكبت الصغير المسكين مشاعره في نفسه اتقاءً للعقاب في مشهد غاية في القسوة والدراماتيكية، وكانت النتيجة شبكة من العقد النفسية أصابت الأجيال الجديدة نتيجة كبت ظاهرة طبيعية لها دورها الهام في التخفيف عن الإنسان.
ارتبط البكاء في الذهنية العربية بالضعف والانكسار والمهانة، وهذا بالطبع ربط خاطئ، فالبكاء علامة على رهافة الحس، وهو وإن جمع في مضمونه الضعف الإنساني، إلا أنه يجمع أيضاً قوة العاطفة، وعلو المشاعر.

 والإنسان رغم تمتعه بالعقل الذي ميزه الله به عن سائر المخلوقات وتسيد به عليهم، كائن ضعيف أمام الظواهر والكوارث والقدر، لذلك يبكي الناس، وحتى رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم يروى عنه أنه بكى يوم وفاة ابنه إبراهيم وقال: "إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون ..".
ومع أن البكاء ظاهرة طبيعة إلا أن بعض الناس "عصيو الدمع" كما قال أبو فراس الحمداني في قصيدته التي صدحت بها أم كلثوم:
أراكَ عصي الدمعِ شيمتكُ الصبرُ
أما للهوى نهى عليكَ ولا أمرُ
نعم أنا مشتاق وعندي لوعةٌ
ولكن مثلي لا يذاعُ له سرٌ

ومع ذلك فإن أبا فراس يقر أن دمعه لا يصدر عن ضعف، ولكن عن قوة وكبرياء عندما يقول:
إذا الليلُ أضواني بسطتُ يد الهوى
وأذللتُ دمعاً من خلائقه الكِبرُ
 
حدثنا الخبراء عن فائدة البكاء في القضاء على التوتر والضغط النفسي، والتفريج عن الهموم، ودور الدموع الكيميائي والعضوي، يؤكد ذلك كله الراحة التي يشعر بها الباكي بعد البكاء.

 والبكاء لغة رفيعة بليغة تغسل الروح، وتعبر عن مشاعر وعواطف متكلسة دفينة في نفس الإنسان عجزت عن وصفها الأفعال والكلمات، فكان البكاء سبيلها في البوح والتعبير، والدليل على ذلك ثرا الطفل عند ولادته للتعبير عن انفعالاته وأحاسيسه قبل أن يعرف الكلام.
وعى القليلون أهمية البكاء، ففي أمريكا توجد جماعة اسمها (الحفاظ على العهد) تقوم بمسيرات في الشوارع يبكون بها بكاء حاراً، لإيمانهم بأن البكاء وسيلة لتطهير النفس.
والبكاء صفة ليست مقتصرة على الإنسان، فالحيوانات أيضاً تبكي، والنباتات أيضاً، هذا ما أثبتته التجارب في علم النبات، حيث أثبتت أن النبات يشعر ويتألم ويبكي أيضاً، أما بكاء الحيوان فمعروف، ولعل أشهر وأجمل الأبيات الشعرية التي عبرت عن بكاء الحيوان وردت في معلقة عنترة عندما كان يصف حصانه وهو في خضم المعركة يقتحم الصفوف في قوة وشجاعة قائلاً:
يدعونَ عنترَ والرماحُ كأنها
أشطانُ بئرٍ في لَبانِ الأدهمِ
مازلتُ ارميهم بثُغرةِ نحرهِ
ولبانهِ حتى تسربلَ بالدَمِ
فازوَر من وقعِ القنا بلبانه
وشكاَ إلى بعبرةٍ وتحمحمِ
لو كان يدري ما المحاورة اشتكى
ولكان لو علمَ الكلامَ مكلمي

 إنه يصف الحصان وهو يقتحم المعركة، وعندما أصابته السهامٌ أغرقته الدماء، فإذا به يزورَ (يلتفت) إلى فارسه، ويشكو إليه بدموع وحمحمة، ولو كان يعرف كيف تكون المحاورة لاشتكى، ولو علم الكلام لكلمه، وهذه من أجمل الأبيات التي قالتها العرب، والتي تعبر عن مشاعر الحيوان والعلاقة الحميمة التي تربط الحصان بفارسه.

 ويروى أن الرسول صلى الله عليه وسلم مر ببستان فوجد جملاً يبكي، فقال: من صاحب هذه البهيمة؟، فأتى رجل من الأنصار وقال: أنا يا رسول الله، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: اتق الله في بهيمتك إنها تشكو منك.
والبكاء غالباً وليد الحزن، وقد ارتبط الحزن عند العرب بالنبل، لذلك كان له – أي الحزن – مساحة كبيرة في حياتنا، فكان الشاعر العربي يبكي على الأطلال، ويبكي المحبوبة التي رحلت، ويبكي الذكريات، ويبكي نفسه أيضاً، ولذلك ارتبطت التجربة الشعرية الصادقة عند العرب بالمعاناة.

 والبكاء قد يكون وليداً للفرح، فهناك من يدمعون ويبكون في المواقف السعيدة، وعندما تسألهم: ما سر هذه الدموع ..؟، يجيبون عليك: إنها دموع الفرح ..!، وهذه الدموع في رأيي ليست دموعاً للفرح وإنما دموع تصدر بأثر رجعي تعبيراً عن الخوف الشديد من افتقاد هذه اللحظة الفَرِحةَ، أو ربما تكون ترجمة للمعاناة التي تكبدها الشخص في سبيل الوصول إلى هذه اللحظة السعيدة، وربما يرجع ذلك الاعتقاد إلى أن الإنسان إذا ضحك بشدة تدمع عيناه ..!

ولكن الدموع متهمة في بعض الأحيان، حيث نجد من يصف دموع أحد الأشخاص بدموع التماسيح التي تكون دموعاً مصطنعة لاجتذاب الفريسة واستدراجها، وبالطبع لا أعرف تفسيراً مقنعاً لهذه الظاهرة التي يمكن أن يفسرها لنا علم الأحياء، وإن كنا يمكن أن نرجعها إلى تفسيرنا الحلمنتيشي لدموع الفرح فالتمساح يبكي كتعبير للمعاناة التي تكبدها للوصول إلى فريسته.

 ولكننا لا نستطيع إنكار أن من الدموع ما تكون زائفة، وصاحبها هو ثعلب إنساني يستدر عطف الآخرين للانقضاض عليهم، ولعل الدليل على ذلك قدرة الممثلين على إفراز الدموع في مشاهدهم التمثيلية ..!

 ويحلو للبعض أن يصف دموع المرأة بدموع التماسيح، لماذا.. لست أدري ..؟، ربما لأن المرأة تتمسكن وتبكي إلى أن توقعك في شباك الحب، ثم بعد ذلك قل على نفسك السلام، وإن كنت من المؤيدين لبكاء المرأة لأنه يضفي عليها رونقاً خاصاً وجمالاً إضافياً، تماماً كما يقول نزار:
إني أحبكِ عندما تبكينا
وأحبٌ وجهكِ غائماً وحزينا
الحزنُ يصهرنا معاً ويُذيبنا
من حيث لا أدري ولا تدرينا
هذي الدموع الهاميات أحبها
وأحب خلف سقوطها تشرينا
بعض النساءِ وجوههن جميلةٌ
ويصرنَ أجمل عندما يبكينا

 الدموع هي الماء المقدس الذي يطهر أرواحنا ونفوسنا، ويشعرنا بلحظة الضعف الإنسانية التي يجب أن يمر بها الإنسان من حينٍ لآخر لكي يشعر بالآخرين، ويتذكر قدرة الله عليه ..!، فإذا جاء البكاء لا تخجل منه، وأقم إن استطعت .. حفلة للبكاء، فالبكاء هو الضعف الذي يعلمك كيف تكون القوة ..!

تاريخ الإضافة: 2014-04-28 تعليق: 0 عدد المشاهدات :1397
0      0
التعليقات

إستطلاع

مواقع التواصل الاجتماعي مواقع تجسس تبيع بيانات المستخدمين
 نعم
69%
 لا
20%
 لا أعرف
12%
      المزيد
خدمات