ما أكثر الدعوات التي تدور في عالمنا العربي ، فكل دعوة تبدأ سرعان ما يلتف حولها المؤيدون والمعارضون، فئة تؤيدها ، وفئة ترفضها ، ويثور الجدل بين هؤلاء وهؤلاء وتشتهر الدعوى وتصبح مصطلحاً لغوياً تتناقله الصحف وتلوكه الألسن.
وبذلك كثرت الدعوات وتعددت وأصبحت من كل شكل ولون، وأصبحت تأخذ مساحة كبيرة من أوقاتنا وحياتنا ، لذلك اشتهر عنا أننا أمة تتكلم أكثر مما تفعل، وبرز العرب (كظاهرة صوتية) فما أجمل الدعوات والشعارات المطلقة، وما أقبح العمل من أجل تحقيقها..!
والعجيب أن معظم هذه الدعوات – إن لم يكن كلها- لم تتحقق، ولم تكن أكثر من مانشتات كلامية عريضة خرجت وانطلقت وتبددت في الهواء ..!
ولعل أشهر الدعوات الدائرة الآن والتي غطت بشهرتها الآفاق الدعوة إلى القومية العربية ، والقومية العربية مصطلح يعني – بمفهومه المفترض – وجود وحدة قومية بين كل من يتكلمون العربية وينتمون إلى العالم العربي ، وما يرتبط بذلك من أهداف منها القوة والرخاء، وغيرها من المعاني التي يمكن أن تساق كأهداف وانجازات لهذا المصطلح ، ولت أتعرض لهذا المصطلح من ناحية الهدف والغاية ، ونحن نحيي كل الأهداف النبيلة التي تقدم شيئاً إيجابياً ، ولكني سأتعرض له من ناحية أكثر تقدماً وهي (النتيجة) وأتساءل:
هل استطعنا تحقيق هذه الدعوة – أو حتى جزء منها – بعد هذه السنوات العديدة من إطلاقها؟ والإجابة هي بالطبع : لا..!
الباحث في الشخصية العربية ونشأتها سيجد العديد من الأسباب التي تجعل عملية القومية العربية عملية صعبة تصل في بعض الأحيان إلى الاستحالة .
• السبب الأول : هو أننا إذا بحثنا عمن ينتمون حقيقةً لجنس العرب سوف نخرج الكثير من الدول الكائنة في محيطنا العربي، ولن نبقي إلا مجموعة صغيرة منها ذات أصل عربي صحيح، فالعرب كما نعلم ينقسمون إلى عاربة ومستغربة، ومن هذا وذاك تتفرع قبائل وأفخاذ وبطون يمكن بحثها وتقصيها، لذلك وجب على المنادين بهذه الدعوة الإجابة على هذا السؤال:
هل يقتصر مفهوم القومية العربية على جنس العرب فقط ، أم يمتد ليشمل ما عداهم من الشعوب التي تتكلم العربية ..؟
• السبب الثاني : هو أن هناك العديد من الدول التي تندرج داخل العالم العربي بعضها لا يتكلم العربية كأريتريا مثلاً ، وبعضها الآخر لا تشغل اللغة العربية – في الحقيقة- المرتبة الأولى عندهم مثل المغرب وتونس، وإضافة إلى وجود العديد من الدول الإسلامية التي تدين بالإسلام، ولكنها لا تتكلم العربية مثل الباكستان وأندونيسيا وبنجلادش والجمهوريات الإسلامية المستقلة عن الاتحاد السوفيتي سابقاً.. وغيرها.
• السبب الثالث: وهو أن اللغة العربية لم تعد للأسف هي اللغة التي تجمعنا، وعندما أتكلم عن العربية هنا أعني اللغة العربية الفصحى – لغة القرآن الكريم – التي هي أساس اللغة ، ولكن ما نراه الآن هو مئات بل الآلاف من اللهجات العامية التي تنتشر في العالم العربي، إضافة إلى ما نراه من غزو اللغات الأجنبية للعديد من الأقطار العربية. حيث أصبحت اللغة الأجنبية من الرواج ما يهدد اللغة العربية الأم.
• السبب الرابع: أن الانتماء إلى (العقيدة) أقوى من الانتماء إلى (اللغة)، فالعقيدة واحدة، لا تختلف على مر الأزمان ، أما اللغة فهي عرضة دائماً لأن تتشكل وتختلف وتتفرغ إلى لهجات متباينة على ألسنة متكلميها كما هو حادث الآن .
• السبب الخامس: أن هناك من الأسباب ما يمكن إرجاعه إلى طبيعة بعض الدول العربية وطبيعة الأنظمة بها يمكن أن تكون سبباً رئيسياً لاستحالة تحقيق القومية العربية لأن في تحقيق هذه الدعوة خطر مباشر على وجودها، ومن هذه الأسباب وغيرها يمكننا أن نتصور مدى صعوبة تحقيق هذه الدعوة ، وينطبق ذلك على جميع الدعوات الأخرى الدائرة
ولعل السبب الحقيقي لفشل هذه الدعوات للقومية العربية أنها بنيت على أسس غير إسلامية استمدت من نظم وضعية منها ما هو حسن النية، ومنها ما هو مؤسس على نظم نصرانية ويهودية هدفها تشتيت وتفرقة الأمة الإسلامية، وقد صدق الله تعالى حيث قال ولن ترضى عنك اليهود ولا النصاري حتى تتبع ملتهم ، قل إن هدى الله هو الهدى.. الآية " البقرة 120".
والسؤال الآن : ما هي الوحدة التي يجب أن نسعى إليها ..؟
والإجابة ستكون حتماً : الوحدة الإسلامية .
فالوحدة الإسلامية هي هدفنا الذي يجب أن نسعى إليه ، وأن نبذل كل الجهود لتحقيقه، فديننا الإسلامي دعانا إلى الوحدة والجماعة ، وهو يدعونا إلى الوحدة التي تقوم على الدين ولن يدعنا إلى الوحدة على أساس الجنس ، قال صلى الله عليه وسلم (عليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شَذَّ شَذَّ في النار).
فالوحدة الإسلامية هي هدف الدعوة الإسلامية منذ أن بزغ فجر الإسلام، هذه الوحدة التي عمل رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم على تحقيقها منذ أن حمل الرسالة ، حيث قال صلى الله عليه وسلم (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمّى والسهر) صحيح مسلم .
أمرنا ديننا بأن نكون أمة إسلامية واحدة، وأن نجتمع ونتآذر ونعتصم بحبل الله ونبتعد عن الفرقة والتشتت ، قال تعالى واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ، واذكروا نعمة الله عليكم إذا كنتم أعداءً فألف بين قلوبكم ، فأصبحتم بنعمته إخواناً.. الآية " آل عمران 103" ولم تقتصر دعوته تعالى لنا للاعتصام ولكنه أيضاً نهانا عن التفرقة والخلاف والتنازع والتخاصم ، قال سبحانه في محكم التنزيل "ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم".
وعن حديث أبي أيوب الأنصاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليالً يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام) صحيح مسلم .
امتلأت الساحة بدعوات عديدة ذات مسميات مختلفة تدعوا إلى العديد من التجمعات السياسية والمجالس والمنظمات والحركات السياسية ، وقد أثبت التاريخ فشل كل هذه الدعوات في تقديم شيء إيجابي للمسلمين ، بل على العكس لقد ساهمت هذه الدعوات المتباينة في تشتيت الجهود وصرف الأنظار عن الأهداف الحقيقية .
لذلك علينا كمسلمين أن نعود إلى هدفنا الأجل ، وأن نعلم جميعاً أن الوحدة الإسلامية هي الحقيقة التي يجب أن تكون ..!