منذ فترة بعيدة وأنا أتابع هذه الطفلة الصغيرة المحاطة باهتمام ، والتي تدعى (..)، بعد أن رافق ظهورها على الشاشة الصغيرة حملة إعلامية موجهةَ ، خططت والدتها منذ البداية لتصنع منها نجمة، فأسست لها – رغم حداثة السن – شركة إنتاج خاصة لتنتج مسلسلاً يكون انطلاقة ميلادها الفني، وتم لوالدتها ما أرادت فكانت (..)!، ورغم صغر سنها تقدمت ونجحت لما تتميز به من مواهب متعددة كالرقص والتمثيل والاستعراض، وكانت تعالج في البداية مشكلة السن هذه بارتداء ملابس تبرز أنوثتها وتظهرها كامرأة ناضجة، وكان هذا الحل غير موفق في كثير من الأحيان ..!!.
وكبرت البنت (..) وانتشرت وارتبطت بعد ذلك بالفوازير التي ضاعفت شهرتها في مصر والعالم العربي، ومنذ أن ظهرت (..) والشائعات تلاحقها في كل مكان، بعض هذه الشائعات هادئ وبعضها مثير والبعض الثالث فاضح، فهذه إشاعة عدم اعتراف عائلة أبيها بنسبها، وهذه إشاعة زواجها "عرفياً" من رجل أعمال ثم طلاقها منه بعد سلسلة من المحاضر، وهذه إشاعة حول الحادث الغامض الذي تعرضت له على الطريق الصحراوي تقول أن البعض قذف بها من الشرفة والسبب كيت ... وكيت ..!!، وإشاعة عن اعتزالها وإشاعة عن ضياع ساعة ثمينة منها في المطار وعدم اكتراثها بذلك، وإشاعة عن علاقة حب ربطتها بمطرب شاب عربي، وإشاعة وصولها إلى المطار من إحدى السفريات على كرسي متحرك وصراخها في الناس (ادعوا لي ..)، وإشاعة إصابتها بالشلل، وكيت .. وكيت ..!! إلى أخرها من الإشاعات والروايات التي يعرفها معظم – إن لم يكن كل– الجمهور العربي المولع دائماً بترديد الحكايات وتقصي أخبار الفنانين و "شائعاتهم" ..!
وكانت آخر الإشاعات التي ارتبطت بـ (..)، وكانت كالقنبلة الذرية إشاعة زواجها "عرفياً" من زوج الفنانة (..)، والجديد والمثير وغير المسبوق في هذه الإشاعة هو أن الفنانة (..) نفسها فجرت القنبلة صحفياً حين صرحت على الملأ أن (..) أكلت في بيتها ثم سرقت زوجها، ثم يتبين بعد ذلك صدق الإشاعة ثم طلاق الفنانة الخطافة من الزوج المخطوف ..!، وبذلك تكون (..) أكثر فنانة عربية أثيرت حولها الشائعات واستحقت عن جدارة الحصول على "كأس الشائعة الذهبي .. كيت وكيت".
وعلى الرغم من كثافة الإشاعات وحبكتها والمثل الذي يقول (ما فيش دخان من غير نار ..!)ورغم أننا معشر الصحفيين نعلم جيداً الإشاعة الكاذبة والإشاعة الحقيقية وغيرها من الأسرار التي لا يعلمها أحد، إلا أنني شخصياً لا أحب الظلم وأربأ بنفسي عن رمي "المحصنات" ولذلك تظل كل هذه الحكايات الدائرة – في نظري- مجرد إشاعات والعهدة على قائلها حتى يأتي من يثبتها بالدلائل القاطعة ..!
والنقطة التي أود أن أصل إليها من كل ذلك هو وضع الفنانة بالنسبة للمجتمع والصورة التي يجب أن يكون عليها، فالفنان قدوة للجميع شئنا أو أبينا، مادام هذا الصندوق الأسود العجيب يحتل مكان الصدارة في بيوتنا، فالفنان قد يكون قدوة لإخوتنا وأولادنا، والفنانة قد تكون قدوة لزوجاتنا وبناتنا، لذلك يجب أن تكون القدوة مشرفة وإن كانت غير ذلك فتباً لها.
والقدوة المشرفة تشمل العديد من المعاني كاستقامة السلوك والأخلاق والالتزام الفني وغيرها .. لذلك فإن على معشر الفنانين أن يعلموا ذلك جيداً، وأن يحرصوا على أن يكونوا قدوة مشرفة لمشاهديهم حتى في حياتهم الشخصية فلا معنى لأي إنجاز فني مهما كانت ضخامته ما لم يتحل الفنان بهذه الصفة الهامة والأساسية!
والمتابع للساحة الفنية سيكتشف بسهولة أن نماذج عديدة من المطروحات إعلامياً لا يصلحن أن يكن قدوة للأجيال، فهذه فنانة يتهمها زوجها بأنه لم يجدها بكراً في ليلة الزفاف، وهذه فنانة يهددها زوجها بعد الطلاق بشريط فيديو يعرض علاقتهما الحميمة ..، وهذه فنانة تتزوج في السر من كهل ثري وبعد الطلاق يستأجر هذا الثري شخصاً لتشويه وجهها بماء النار، وهاتان فنانتان يقبض عليهما البوليس بتهمة الانضمام لشبكة منافية للآداب، وغيرها من الفضائح المقززة التي نطالعها كل يوم.
الغريب أن نسمع دفاع البعض عن سلوكياتهم الخاصة وتعللهم بحرية الفنان الشخصية، وهذا بالطبع دفاع باطل وسخيف فما دام الإنسان قد آثر أن يكون شخصية عامة فإن حياته أصبحت ملكاً للجميع وسلوكه وحياته أصبحا تحت الضوء وتحت المجهر.
إنني أدعو الجهات الإعلامية والفنية المسئولة لأن تضع في أولوياتها هذا الاعتبار الأخلاقي الهام وإيقاف ومعاقبة من يحيد عنه حتى يظل الفن .. رسالة سامية تساهم في نهضة المجتمع لا هدمه وانكساره.
أما الإشاعات – سواء صدقت أم كذبت – ستظل ضريبة الشهرة والنجاح وتظل ما ظل الإنسان الحكاء على ظهر الأرض.