من حين لآخر يبرز الحديث عن أدب الطفل، وذلك من خلال ندوة أو مقال أو جائزة لأدب الطفل، أو عام تحتشد فيه الاحتفالات والعروض والأمنيات الطيبة للطفل العربي، ولكن الحقيقة التي لا يمكن التغاضي عنها أننا برغم هذه الجهود المتناثرة هنا وهناك لم نقدم للطفل حتى الآن ما يستحقه في هذا المجال.
والنتيجة هي خروج القراءة كأحد جوانب تأسيس الطفل الهامة من دائرة تثقيفه وحلول ضروب شت من وسائل الترفيه واللعب والتي تتفتق عنها الصناعة الغربية كل يوم وكل ثانية، وفي الوقت الذي كنا فيه أطفالاً نستقي ثقافتنا من القصص الجميلة المفعمة بكل القيم والمعاني الجميلة نرى طفل اليوم يستقي ثقافته من ألعاب الكمبيوتر التي تقتل الوقت، والأفلام المدبلجة التي تمسخ هويته القادمة والدمى الملونة التي تزرع فيه ثقافات الغرب الخبيثة.
كان الكتاب في طفولتنا أمنية غالية وهدية نتلقاها عند إحراز فعل إيجابي، وصديقا وفيا نقضي معه الساعات الطويلة، وفي أحايين كثيرة كنت أغفو والقصة المصورة مفتوحة على صدري، بل إننا بروح طفولية مرحة كنا نتحايل ونضع القصة أو الكتاب داخل الكتاب المدرسي حتى إذا ما فوجئنا بنوبة تفتيش أبوية مفاجئة يرى الأب الكتاب المدرسي من بعيد فيطمئن أن المذاكرة على أشدها.
وأذكر هنا واقعة طريفة في طفولتي لها مدلولها عندما أهدتني أمي قصة بعنوان (الحداد الثائر) وبعدما قرأت نصفها حان وقت خروجي للمدرسة فخبأت هذه القصة في خزانة ملابسي بإتقان حتى أكمل قراءتها حين أعود، وعندما عدت سارعت بكل لهفة لأخرج قصتي وكانت المفاجأة وهي عدم وجود القصة، فقلبت يومها المنزل رأساً على عقب بحثاً عنها دون جدوى وظللت شهوراً عديدة حزيناً على ضياع هذه القصة، ولا أعلم حتى الآن أين ذهبت؟!
وكنا نجرى عملية تبادلية فريدة فكنا نبادل القصص التي قرأناها بقصص أخرى لم نقرأها وكانت عملية التبادل هذه تمتد إلى أصدقاء لا نعرفهم في أحياء بعيدة عن حينا وكان لهذا التبادل الثقافي – إن صح التعبير – أثر كبير في تكوين ذواتنا الثقافية فيما بعد.
أُتيح لي مؤخراً زيارة أحد معارض الكتب الأجنبية وأذهلني حقيقة المستوى الهائل الذي وصلت إليه صناعة كتب الأطفال في الغرب، ففي هذا المعرض طالعت صنوفاً شتى من كتب الأطفال وألعابهم ...، الكتب من كل الأحجام والأشكال والألوان تمتزج فيها اللعبة بالمعرفة والكتاب تقرأه وتستمتع بألوانه وهو على شكل حيوان أو أداة أو غيرهما يصدر أصواتاً للحيوانات والأشياء ويصحح لك الأخطاء، وجميعها تنطق بمدى ما وصل إليه الغرب من تقدم في هذا المجال.
أعلم أن هناك جهوداً تبذل وعقولاً واعية تعي جيداً أهمية اختيار وانتفاء أدب الطفل القادم، ولكنها لم تزل محلية لم تأخذ سمة الشمولية الكاملة ولم يتوفر لها الدعم الكامل لتحقيق أهدافها الكبيرة.
أطفال اليوم هم رجال وأمهات الغد، وهم الأجيال الجديدة التي ستجلس في أماكننا وتضطلع بعدنا بقيادة الحياة لذلك يجب أن نبذل الجهود كل الجهود لكي يكون أبناؤنا جديرين بنا وجديرين بالمستقبل.
وهذا لن يتأتى في رأيي إلا بإعادة القراءة إلى موضعها الصحيح في حياة الطفل وتدشين أدب للطفل العربي يجمع كل العناصر التي يحتاجها من ترفيه وتوجيه وتثقيف يكون له زاداً وزواداً في رحلة المستقبل الطويلة الممتدة ..!.