ضمن مجموعة من الألبومات الغنائية التي اشتريتها مؤخراً كان هناك ألبوم يضم مجموعة من الألبومات المتنوعة، ذلك النوع الذي انتشر في الفترة الأخيرة كالنار في الهشيم وراج رواجاً كبيراً مواكبة لديمومة العصر.
أدرت مفتاح التشغيل واستلقيت على مقعدي فانطلقت الأغنية صادحة في أنحاء الغرفة، وبعد الانتباه إلى كلمات الأغنية، توقفت مندهشاً ..، يقول مطلع الأغنية (خد الدبلة وطلقني .. ومن عذابك ريحني .. تعالى خدها .. يلا خدها) يغني هذا المطلع كورس نسائي مسرسع بإيقاع شعبي راقص.
وواضح أن الأغنية تصور خناقة زوجية حامية الوطيس على لسان زوجة تطلب الطلاق من زوجها، فهي تدعوه إلى أخذ الدبلة وإلى تطليقها لكي يريحها من عذابه وهمه ..! إذاً فالأغنية ببساطة تدعو للطلاق ..!!
وما يزيد الدهشة هو المحروس زوجها الذي يرد عليها في نفس الأغنية فيقول (قلبي وروحي معاكي .. عمري ما اعشق سواكي .. والنار في قربك جنة) .. يا سلام .. هي تطلب الطلاق وهو – بسلامته – يقول لها أن قلبه وروحه معها وأنه لم يعشق غيرها، فترد عليه حرمه الحيزبون مرة أخرى بصوتها المسرسع بإصرار غريب (خد الدبلة وطلقني .. ومن عذابك ريحني .. تعالى خدها .. يلا خدها).
زاد الضغط في عروقي وثارت أمامي العديد من التساؤلات .. ما هذه الأغاني التي تصل إلى أسماعنا ..؟ وهل وصل الأمر بالأغنية العربية إلى هذا المستوى ..؟ إن الأغنية فن وذوق وإحساس وأسلوب حياة فكيف تنحدر إلى هذا الحد ؟, والأغنية ليست للترفيه كما يظن البعض، بل هي مؤثر هام في الشخصية والسلوك، لذلك فإنه من المهم جداً الانتباه إلى ما تنطوي عليه الأغنية من مضامين وأفكار.
والغريب أن الأغنية اللبنانية هي الوحيدة بين الأغنيات العربية التي ذكرت كلمة (الطلاق) في أغنيات متعددة، ولعلنا نذكر هنا أيضاً أغنية ملحم بركات التي يقول فيها (مرتي حلوة ما باطلقها) ..!!
سمعنا من قبل أغنية تنادي بالزواج تقول (بدنا نتجوز ع العيد) وهذه لا بأس بها، ولكن أن تظهر أغنية كهذه تدعو للطلاق وترسخ هذه المعاني الغريبة بين الزوجين فهذا ما لا يليق.
وهل نضب معين الشعراء من الموضوعات الجميلة حتى أنه لم يجد كاتب هذه الأغنية إلا هذه الفكرة الركيكة والتشبيه المتواضع ..؟!، أم ترى أن للشاعر غرضاً معيناً من هذه الأغنية وهو أن يكون من السهل على أي زوجة (مفروسة) من زوجها أن تنفث عن غضبها وتهدده فتدير له هذه الأغنية قائلة (خد الدبلة وطلقني .. ومن عذابك ريحني .. تعالى خدها .. يلا خدها) !
وأين هذه الأغنية من الأغاني العربية الأصيلة التي مازالت في ذاكرتنا الغنائية (فاتت جنبنا، حاول تفتكرني، أنت عمري، جفنه علم الغزل) وغيرها من الأغنيات التي قدمها جيل فني يحترم الفن ورسالته.
ولا يفهم من ذلك أنني أتعصب للون غنائي معين، فكل الألوان الغنائية القديمة والحديثة والشعبية نرحب بها، ولست مع من يهاجم المطرب لأن أصله سباك أو مكوجي كما شاهدنا، فالغناء حق للجميع، حق للسباك والقهوجي والعربجي وغيرهم، والغناء لم يكن يوماً للصفوة فقط وإنما هو حق لكل إنسان، والمتلقي هو الحكم والفيصل.
وإذا كان ذوق المتلقي في بعض الأحيان يقبل على هذه الأغاني الهابطة فإنه من واجبنا الارتقاء بذوق هذا المتلقي والحفاظ على مستوى الأغنية ولو كانت شعبية أو حتى منولوجا.
المشكلة في رأيي تكمن في الأجهزة المسئولة عن إجازة النص الغنائي قبل تنفيذه وعلى رأسها المصنفات الفنية وهي الجهة الموكل إليها الإطلاع على النصوص الغنائية قبل تحويلها إلى عمل غنائي يطرح على الناس.
لقد بتنا نسمع أغنيات غريبة مثل (كداب يا خيشة) و(كوز المحبة اتخرم عاوزله بنطه لحام) و(طقطقولي ظهري) وسمعنا أن منها ما أجيز من المصنفات الفنية نفسها، وإصلاح هذا الجانب يجب أن يتم باختيار المسئولين عن إجازة الأغاني من الشعراي المبدعين الذين يعرفون عناصر الأغنية الصحيحة، وإعطائهم دورات لتعميم هذه المفاهيم وتقنينها تلافياً للاجتهادات الشخصية .
من جهة أخرى فإن شرطة المصنفات الفنية مسئولة عن مصادرة الأعمال الغنائية التي تخرج بعيداً عن أعين الرقابة.
سؤال: إلى متى ستظل الأغاني المتواضعة تملأ الهواء الذي يحيطنا؟، سؤال هام يحتاج إلى إجابة صريحة محددة .. دون استقراء وتحليل وحذلقة..!!، فهل من مجيب؟