النجاح لا يأتي صدفة، ولكن يأتي بميعاد، وموعدك مع النجاح ليس سهلاً كما يتصور البعض، فهو يختلف عن موعدك مع صديق أو صديقة، فحتى تصل إليه يجب أن تمر ببحور وجبال وأهوال ومصائب، درب طويل من الرهبة والعمل والمجاهدة، النجاح نشوة الفرح والثمرة الحلوة المستطابة التي يشتهيها كل إنسان، الثمرة التي لا تثمر في العمر إلا مرة واحدة، وكيف لا إنها ثمرة النجاح الأسطورية ..!
قد تهبط عليك الثروة فجأة، قد تربح ورقة يا نصيب، أو تفوز في مسابقة من مسابقات الصحف، أو ترث عقارات وفدادين من قريب لك أنت وريثه الوحيد كما يحدث في الأفلام القديمة، .. قد تكون غنياً ، ولكن هيهات أن تكون ناجحاً، فالغنى شيء، فالنجاح شيء آخر، النجاح هو أن تحصل على الأمنية لا أن تسرقها أو تستعيرها، تصنعها بيدك ومشاعرك، النجاح هو الوصول إلى القمة بأظافرك. لا أن تقفز عليها بالبراشوت.
والنجاح دائماً يسعد الناجحين الذين سبقوك إلى درب النجاح، ويزعج الفاشلين القابعين في شرنفة الفشل، ونظرا لغلبة الفاشلين فإنك يا صديقي إذا نجحت ستجد – ويا للأسف- قلة نادرة من المشجعين، وستجد أيضاً كثرة من المهاجمين الحانقين على نجاحك وتفوقك، إنه حزب أعداء النجاح الشهير ، وهو حزب موجود في كل مكان له أنصاره ومريدوه، ولعله أكبر حزب موجود في تاريخ الأحزاب العالمية.
فإذا نجحت ستجد دائماً من يقف في وجهك. يحاول الحد من انطلاقتك، وعرقلة تقدمك، يرمي إمامك الصخر والأشواك، لذلك فإن الذكاء الاجتماعي يحتم عليك إخفاء نجاحك، ومازلت أتذكر عبارة قالها موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب حيث كان يقول (النجاح لا يحب الزحام) لذلك فإن النجاح يجب أن يتم بهدوء. حتى لا تنقلب عليك الدنيا.
ويتفق هذا الرأي مع الحديث الشريف الذي يقول (استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان)، ولكن مهما كانت الصعاب فإن الإنسان الناجح ينتصر دائماً ، ولا تستطيع أي قوة أن توقف زحفه وتقدمه، إنه كالقطار السريع المنطلق يجتاز كل المحطات ليقف في النهاية في محطة محددة في الوقت المحدد، فهل هناك من يستطيع الوقوف أمام القطار؟
ولكن في العالم العربي لماذا كل هذه المعاناة التي يلقاها الإنسان حتى ينجح؟، اعلم أن حزب أعداء النجاح موجود في كل مكان شرق غرب شمال وجنوب، لارتباط نشأته ووجوده أساساً بعوامل نفسيه موجودة في كل البشر، ولكن لماذا عندنا النجاح صعب، ففي الغرب مثلاً يمكن أن يرتقي عامل في أحد الفنادق بكده وكفاحه حتى يصبح مساهماً أو مالكاً للفندق. بينما ذلك في العالم العربي في حكم الاستحالة، لماذا عندما يخرج الشاب العربي المحاصر من حدود بلاده إلى أوروبا وأمريكا ينجح ويتألق ويحصد العالمية .. لماذا ..؟!
النجاح في العالم العربي صعب، بمعنى أدق أكثر صعوبة، والدليل على ذلك أننا نقول في عبارتنا المأثورة "لا كرامةَ لنبيٍ في وطنه" ..!. و "زامر الحي لا يطرب" ..!
إن الخطأ في العقلية العربية التي لم تتعلم كيفية التعامل مع النجاح، هذه العقلية المبنية على التعصب، لقد أنتجت لنا العصبية القبلية ـ الوحدة الأولى التي تكون منها العالم العربي ـ ظاهرة "الفردية" وهي ظاهرة قائمة بحد ذاتها يتفرد بها العرب يمكن أن يؤلف عنها كتاب، هذه الظاهرة هي التي قادتنا دائماً إلى الهزائم، فالفردية العربية هي التي أنتجت لنا الحاكم الفرد، والمسئول الفرد، والأديب الفرد .. الخ، وأسست مبدأ "الصنمية"، لذلك يركن العرب إلى التاريخ، يلوكون أمجاد القدماء ولا يقدمون شيئاً.
سيطرت علينا "عقدة الخواجة" وتصورنا أن القيمة تتسع لفرد واحد، بينما القمة تتسع لكثيرين، وظننا أن النجاح حكرٌ على البعض بينما النجاح حق مشاع للجميع، وكان ضحية هذا الفهم الخاطيء آلاف من المبدعين في كافة المجالات موجودين في المدن والقرى والنجوع طُمروا في التراب.
النجاح قلعة حصينة يجب عليك اقتحامها، قلعة لا تفتح أبوابها إلا للثائرين الفاتحين الذين لا يرهبهم الموت أو الحاقدون.