دبي: الأمير كمال فرج.
تعترف الشابة الإماراتية نرجس نورالدين بأنها وقعت في غرام "الحرف العربي" وهي لم تزل طفلة، وعندما كبرت، ورغم عملها في أحد البنوك براتب كبير، قررت الاستقالة للتفرغ لهذا الفن، والسفر إلى بلاد مختلفة بحثا عن أصوله، وأدواته، والتتلمذ على يد رواده.
وإذا كان من الغريب أن نجد "امرأة خطاطة" فإن "نرجس" هي ثاني إماراتية تحترف الخط العربي، وأول خليجية تحصل على أرقى جائزة عالمية فيه، وهي جائزة مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية بإسطنبول (أرسيكا) التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي. في هذا الحوار تتحدث نرجس عن تجربتها الفنية والإنسانية مع مجال يندر أن تدخله امرأة، وهو الخط العربي.
كيف تعلقت بهذا الفن، وما دوافع احترافك له؟
تأثرت بوالدي الذي كان يحب الخط، وكانت تشدني حلقات الأطفال "افتح يا سمسم" التي كانت تقدم نماذج من الخط العربي بأسلوب جميل ومحبب، فوقعت في غرام الحرف العربي، وأول لوحة أعددتها كانت في المدرسة الابتدائية، حيث كنت "فنانة المدرسة". وعندما كبرت فضلت دراسة الخط في إسطنبول، وكان ذلك على يد شيخ الخطاطين وهو حسن جلبي وعمره 80 عاما، سافرت بصفة شخصية للبحث عن أسرار هذا الفن. عملت في البداية في بنك، ولكني فضلت التقاعد والتخلي عن الراتب الكبير للتفرغ لهذا الفن، والسفر للتعرف على أصوله والتتلمذ على رواده. وشراء أدواته الأصلية من منابعها.
ما مشاركاتك في مجال الخط العربي؟
عام 2000 شاركت في أول معرض، وكان ثنائيا مع زميلتي فاطمة سعيد بالشارقة، وقدمت خلال هذا المعرض 14 لوحة، وبعد ذلك توالت المشاركات.
ما المجالات التي يمكن أن يدخل فيها الخط العربي؟
مجالات واسعة، يمكن أن نقدمه كنصوص مباشرة من خلال آيات من القرآن الكريم، أو أبيات من الشعر، أو يقدم كلوحات مجردة، أو نستلهم الحرف العربي في لوحة فنية، كما يمكن إدخال الخط العربي على أي شيء ، كالأزياء، أو الفازات، والديكورات الحديثة. الخط يمكن أن يضفي على المنزل العربي لمسة جمال خاصة، وذلك كله يعتمد على تمكن الخطاط.
هل أثر الكمبيوتر على الخط العربي؟
أثر على كتابة الناس بأيديهم، وقد يكون سهّل لهم إنجاز معاملاتهم، ولكنه لم يؤثر على الفن نفسه. التقدم الإلكتروني لا يمكن أن يتغلب على إبداع الإنسان. قد يقل الطلب على الخط، ولكن لن يخفيه، على العكس الناس تعود رويدا رويدا إلى الفن الأصيل، وكلما طغت التقنية في حياتنا زاد الحنين إلى التراث.
ما أنواع الخطوط التي تفضلينها؟
الجلي الديواني، وكان قديما الخط الخاص بالسلطان العثماني، في هذا العصر كان هناك خط لكل فئة، العسكر لهم خط، والقضاة لهم خط، والفرمانات كانت تكتب بخط خاص هو الجلي الديواني، وأنا أفضله لأنه يقدم الروح الشرقية.
ما الأدوات التي تستخدمينها في الكتابة؟
قديما كانت تُستخدم أدوات محددة لكتابة الخط، منها القصبة وهي المحبرة، و"الليقة" وهي خيوط من الحرير توضع داخل القصبة، وهي تتشرب بالحبر، وتساعد على أن تأخذ الريشة الكمية المطلوبة منه. وقد اشتريت هذه الأدوات من تركيا، حيث لأدوات الخط جودة خاصة، من 50 عاما كان كل خطاط يصنع بنفسه أدواته وورقه وحبره. وأفضل الورق كان يأتي من إسطنبول، وكان هناك شخص يقهِّر الورق لمنحه مواصفات خاصة، هناك أوراق عمرها 800 عام وما زالت تحتفظ بجودتها بسبب التقهير.
والتقهير يتم بطلاء الورق بمادة الشبّه وبياض البيض، فيؤدي ذلك إلى إغلاق مسامه، ثم يترك يوما أو يومين، ثم يقهر بحجر العقيق ثم يترك سنة، ثم يستخدم بعد ذلك في الكتابة، وسعر الورق المقهر مرتفع، مثلا الورقة مقاس 50 × 70 سعرها 50 دولارا.
أما قلم القصب فأحضره من مدينة دزفول جنوب طهران وهي معروفة بالقصب "القاسي". أما الحبر فأحضره من إسطنبول، وهناك أيضا قلم جاوي متخصص في كتابة خط النسخ أحضره من جزيرة جاوة الإندونيسية.
وأنت تمثلين المرأة الإماراتية.. ما هي أبرز إنجازاتها، والدور الذي يمكن أن تقدمه؟
المرأة الخليجية تقدم كل ماعندها ولكن في إطار العادات والتقاليد، ولدينا في الإمارات عدد من النماذج المشرفة مثل وزيرة الاقتصاد الخارجي الشيخة لبنى القاسمي، والدكتورة منال التويم، ونجاة مكي، ومصممة المجوهرات عزة القبيسي. والمرأة الخليجية عموما قدمت الكثير في مجالات المختلفة، خاصة في الفن والإبداع، وما زالت قادرة على تقديم المزيد.
ما أهم الجوائز التي حصلت عليها؟
حصلت على عدد من الجوائز، أهمها جائزة مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية بإسطنبول (أرسيكا) التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، عام 2004، عن مشاركتي في الخط العربي، وهي أرفع جوائز الخط العربي في العالم.
كيف نوصل هذا النوع من الفن إلى الناس؟
النخبة هم من يحضرون المعارض، ولكن ما زلنا نحاول أن نوصل هذا الفن ليكون في كل بيت. المبادرات الحكومية رائعة، ولكن القطاع الخاص يجب أن يقدم جهده، لدي مشروع لإنشاء جاليري يذهب للناس في أماكنهم، ويقدم معارض في الأوتيلات، والمدارس، والجامعات.. ويهدف إلى نشر جماليات الخط العربي، وتقديم لوحة لكل بيت.