الإنتماء صفة حميدة، وفيها ينتمي المرء إلى عائلته أو عشيرته أو وطنه، وأشهر أنواعه ـ كما نعلم ـ الانتماء للوطن، و"الانتماء" رغم مدلوله الجيد بحاجة إلى إعادة تعريف. خاصة في العالم الجديد الذي يتشكل الآن، والذي أصبحت معه الكرة الأرضية شاشة صغيرة. أيضا لأننا نرى في كثير من الأحيان سوء فهم لقضية الانتماء، حيث يرادف الانتماء في كثير من الأحيان التعصب، ليس ذلك فقط.
ولكننا نرى أن الانتماء يحدث لوحدات صغيرة كالعائلة والقرية والقبيلة، وأحيانا اللغة أو اللهجة التي نتكلم بها ، أو المنطقة الجغرافية التي نعيش بها، أو للموسيقى المفضلة أو النادي الذي نشجعه.
وبذلك يصبح الانتماء عاملا للفرقة .بدلا من أن يكون عامل توحيد ، لأنه إذا انتمت كل أسرة أو قبيلة لنفسها، وانتمت كل أيدلوجية أو فرقة أو مذهب لمعتقداتها وتعصبت لها. سنجد أنفسنا أمام آلاف الجماعات وآلاف الفرق والمذاهب .. وجميعها مختلفة الآراء والتوجهات.
حتى الوطن إذا تلوث الانتماء إليه بالتعصب ـ آفة العصر ـ خاصة في عصر الفضاء المفتوح ـ سيصبح انتماءا إقليميا منعزلا عن العالم الكبير المليء بآلاف الأوطان، وقد يتعارض ذلك مع القوانين الجديدة التي فرضتها المنظومة العالمية ، ومن عناصرها التسامح والحوار بين الأديان وقبول الآخر ومباديء التجارة العالمية.
إذا سلمت معي بحقيقة ذلك فسيصبح الانتماء للعقيدة كالإسلام مثلا ، أو للقومية العربية مثلا آخر ـ مع تقديرنا للقيم الدينية والجغرافية ـ أشمل من الانتماء لقبيلة أو حتى وطن . ويصبح الانتماء للعالم وقيمه الإنسانية الصحيحة أشمل وأشمل.
الانتماء صفة حميدة لا يختلف عليها اثنان، ولكن شريطة أن تخلو من التعصب.. العصابة الموضوعة على العينين، والتي تجهض النظرة الموضوعية للأشياء، والتي تتنافى أيضا مع قيم الدين والعدل والشفافية.
الانتماء للأفكار والقيم الكبيرة أجدى وأجدى نفعا من الانتماء للأفكار الإقليمية والمجتمعات الصغيرة . لذلك من الأفضل أن نتجاوز القيم المحلية إلى قيم أشمل وهي القيم الإنسانية.
قال لي مهاجر إلى إحدى الدول العربية "وطنك هو المكان الذي تعيش به وترتزق منه"، ورغم العبارة الصادمة والتي قد تخدش قدسية الوطن، وتتعارض مع الموروث الاجتماعي العربي الذي يقدس المكان ، والذي لانجده بمثل هذا التشدد في الأمم الأخرى، ما المانع أن أنتمي للوطن، وفي ذات الوقت أنتمي للعالم الكبير.
أنا لا أطالب بالانتماء لعالم البحار أو عالم الطيور أو الحشرات. ـ معاذ الله ـ ولكني أطالب بالانتماء لعالم البشر الذي ننتمي إليه جميعا، ولا بأس من أن يجمع المرء بين انتماءه لقيمه الدينية والوطنية. والانتماء للعالم الكبير. لأن القيم الدينية والأخلاقية والإنسانية في حقيقة الأمر واحدة . بذلك نصحح مفهوم الانتماء، ونجعله عاملا من عوامل الوحدة بدلا من أن يكون عاملا للفرقة والتشتت.