الصواب والخطأ وجهان لعمة واحدة هي عملة الحياة، وإذا تأملنا الأمر بطريقة فلسفية سنجد أن الخطأ في كثير من الأحيان وسيلة لمعرفة الصواب، والخطأ مرحلة طبيعية في الكثير من المراحل الإنسانية. كان من الممكن أن يجبل الله الناس على الصواب، ولكن الحكمة الإلهية أقرت الصواب والخطأ لكي يتبين الناس الطريق السليم، ثم يأتي بعد ذلك الحساب.
لا أحد معصوم من الخطأ حتى الأنبياء لديهم عصمة في أشياء وغير معصومين في أشياء أخرى، والسبب ببساطة أنهم بشر، والرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم كان معصوما في أشياء وغير معصوم في أشياء أخرى، والدليل على ذلك "سورة عبس" التي نبه الله فيها نبيه عندما عبس في وجه الأعمى. قال تعالى "عبس وتولى أن جاءه الأعمى، وما يدريك لعله يزّكى أو يذكر فتنفعه الذكرى"، ومن هنا كانت عظمته صلى الله عليه وسلم، (إنما أنا بشر يوحى إليه) و"جل من لا يخطيء".
الناس جميعا يخطئون، ويتعلمون من أخطائهم، وبذلك تحدث عملية تدريجية لتقويم السلوك الإنساني، والخطأ يكون أحيانا وسيلة للتجربة والاكتشاف، فالباحث الذي يجري تجربة علمية قد يخطيء أثناء بحثه عن المجهول، ولكنه يكتشف الاحتمالات، ويتعلم ويضع "كروس" على الاحتمال الخطأ، فتستنير أمامه الطرق المظلمة.
ولكن الكثيرين لا يدركون الحكمة من الخطأ، فالأب إذا وجد ابنه يخطيء، فإنها علامة على الفشل، وإنها الطامة الكبرى، يكفهر وجهه، ويصيح مهددا متوعدا بالويل والثبور وعواظم الأمور. إننا بذلك نوقف باب الارتقاء والتفكير والإبداع والإبتكار والمغامرة والتطور والاجتهاد والاكتشاف، ونساعد على إنتاج جيل ظلامي يخاف الضوء والحرية.
يجب أن نتيح لأبنائنا مساحة من الحرية للتجربة والخطأ، والتعلم من الخطأ، لا يكفي تلقينهم التعاليم الدينية والمواعظ، ولكن تركهم يجربون ويخطئون ويتعلمون بأيدهم، فالخطأ ليس نهاية المطاف، ولكنه بداية التعلم والاكتشاف، وقبل ذلك كله علامة على المبادرة والعمل.