الاحترام صفة انسانية أولية، حق للانسان الذي كرمه الله على سائر المخلوقات، حيث نص القرآن الكريم في أكثر من موقع على "تكريم الانسان"، ويكفي للدلالة على هذا التكريم أن الله جعله خليفة له في أرضه، وكلفه بحمل الأمانة التي رفضت السماء والأرض أن يحملنها، وكلف بأسمى مهمة وهي إعمار الأرض.
وبغض النظر عن العرق والجنس والمعتقد واللون والموطن والجنسية والحالة الاجتماعية، للانسان حق الاحترام، والاحترام يعنى التقدير، وفي المعنى العام يقولون شخصا محترما أي شريفا ذا سمعة حسنة، يحظى على تقدير المجتمع، أما الشخص غير المحترم فهو على النقيض من ذلك.
"والاحترام" واجب تقره أوامر الله والسنة النبوية والأعراف الاجتماعية وحقوق الانسان، وهو ليس منة أو ترفا، والسبب بسيط وهو أن الناس سواسية، لا يختلفون في تكويناتهم حتى لو اختلفت ألوانهم وألسنتهم، وقد حض الاسلام على توقير الصغير للكبير، واحترام الكبير للصغير، وطاعة الوالدين والرحمة بهما، واحترام حقوق الجار، والأبناء والزوجة، وكل ذلك يدور في معنى الاحترام.
ولكن المتابع للسلوكيات العامة سيلاحظ أن "الاحترام" كمعنى يغيب كثيرا عن علاقاتنا الاجتماعية، ففي كثير من الأحيان ننسى أن الانسان الذي نحدثه أيا كان وضعه هو "انسان" تحلى بأجمل صفة نشترك فيها جميعا وهي الانسانية، وغياب الاحترام هي خطوة أولى لباب من التجاوزات تتدرج لتشمل الظلم والإيذاء والبطش والإهانة والتجريح والعنف.
الجميع بحاجة إلى الاحترام، سواء أكان رجلا أو امرأة، طفلا أم شابا، صاحب عمل أو خادما، هناك جوع انساني إلى الاحترام، حاجة انسانية تشعر المرء بإنسانيته، حتى ولو لم يصرح المرء، كل إنسان بحاجة إلى حقه في أن ينظر اليه الناس كإنسان له الحق في الاحترام والتقدير والمعاملة الحسنة بغض النظر عن أي شيء، ويقول العامة "احترم نفسك" للشخص الذي أتى بتصرف خاطيء على سبيل النهر وحثه على التوقف عن الفعل السيء، وتشاءمت السينما العربية عندما قدمت فيلم "آخر الرجال المحترمين".
أتذكر أحد المطاعم في مدينة عربية دخلته منذ أكثر من ٢٠ عاما، ويعمل به مجموعة من الأتراك، كان المطعم يوزع أوراقا صغيرة عليها عبارة غريبة جدا تقول "رجاء معاملة العاملين باحترام"، ولا أدري ماهو دافع المطعم لإيصال هذه الرسالة للزبائن، هل كان يقصد أن العاملين في المطعم حاصلين على مؤهلات وليسوا عمالا، وبالتالي وجب احترامهم من وجهة نظره؟، هل كان ذلك وسيلة لتضخيم ذات المطعم والترويج له بطريقة غير موفقة؟، أم أن هناك حادثة معينة دفعت إدارة المطعم لهذا الطلب الغريب، أم أن ذلك جاء نتيجة لاختلاف الثقافتين العربية والتركية، والذي أنتج لنا هذه الترجمة الغريبة التي تثير الدهشة، حيث يعتبر ذلك أول طلب رسمي بالاحترام.
أيا كان السبب فإن هذا الطلب الغريب يؤكد الحاجة العامة الى الاحترام، وفي معظم الأحيان لا يطلب المرء من الناس أن يحترموه، وإن كان يحدث هذا في حالات نادرة كما حدث في واقعة المطعم العربي والعمالة التركية.
الكثير من السلوكيات الخاطئة في المجتمع المحلي والعالمي سببها الأساسي عدم الاحترام، وعدم معرفة هذا الحق الانساني المهم والبديهي والذي يأتي قبل المعرفة والتقييم والتعامل، وهو حق الاحترام، والاحترام في الحقيقة ليس فقط حقا من حقوق الانسان، بل حق أيضا لجميع الكائنات ، وهو أيضا حق للطبيعة والبيئة والجماد، إنه حق لكل الأشياء الجميلة التي خلقها الله، واحترام خلق الله تعبير عن الشكر على نعم الله، قال تعالى "وأما بنعمة ربك فحدث".
وفي بعض الدول الغربية يمتد "الاحترام" من الانسان إلى الحيوانات، لنرى كيف يدلل الانسان الحيوان، ويوفر له كافة الطعام والكساء والرعاية الصحية والمسكن الملائم، ووسائل الرفاهية، وإذا وقع قضاء الله يبكي بحرارة عند موته، في بعض الدول تتحقق ليست فقط رفاهية الانسان ، ولكن تتحقق أيضا رفاهية الحيوان.
وفي بعض القطاعات يُفرض الاحترام فرضا، كما يحدث في القطاعات العسكرية مثلا، عندما يبادر صاحب الرتبة العسكرية الأدنى بأداء التحية العسكرية لصاحب الرتبة الأعلى، ليبادر المحيا برد التخية بالمثل.
وفي الاسلام تعتبر تحية الاسلام "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته"، بمثابة تعبير عن الاحترام، وليس "الاحترام" فقط، فهى تحية تختزن في عباراتها الدعاء والتمنى بأن يحل على الشخص السلام والرحمة والبركات.
نحن بحاجة إلى التوعية بمعنى الاحترام كحق أساسي كفله الله للانسان، هذا بغض النظر عن أي شيء آخر، بغض النظر عن اللون والعرق والجنس والوظيفة والدين والانتماء السياسي، ـ حتى لو كان مجرما ـ، بحاجة إلى تعليم النشء الاحترام أول حروف الأبجدية الانسانية، لأن هذه هي اللبنة الأولى في بناء العلاقات الانسانية، والبند الأول في مكارم الأخلاق.
وإذا تعلم الطفل الاحترام من صغره، ستختفي الكثير من السلوكيات الخاطئة التي نراها في الكبر، وسيحظى المجتمع بالمعاني التي نفتقدها كثيرا مثل التسامح والرحمة والحب، وتتراجع الكثير من المظاهر السلبية اليومية كالعنف والظلم والعدوانية والجريمة وملاسنات الشوارع، وربما يمتد التأثير للقضاء على مشكلات أكبر مثل الصراعات الدولية والفقر والحروب المسلحة.