إذا راقبت عاملا في أوروبا أول ما سيلفت انتباهك تقديسه لوقت العمل، فوقت العمل مخصص للعمل فقط . لا وقت للثرثرة أو الحكي الفاضي أو حتى الملآن. سواء أكان عاملا في مصنع أو عامل شاورما. الجميع يتحرك بميكانيكية عجيبة، ولا وقت حتى للحديث أو الإجابة على أسئلة. حتى لو كانت أسئلة صحفية.
هذا التقديس الغريب لوقت العمل تلحظه أيضا في المهاجرين العرب الذين يقيمون في أوروبا. أول صفة يكتسبها هؤلاء حتى ينجحوا تقديس وقت العمل. إذا سألت أحدهم سؤالا أجاب بسرعة واستأذن معللا ذلك "بأنه وقت العمل". حتى العمال الآسيويين المنطلقين كل صباح إلى أعمالهم على خور دبي تلمح في إيقاعهم هذه الميكانيكية الغريبة التي يحركها تقديس وقت العمل.
هذا بالطبع مغاير لما يحدث في عالمنا العربي، فالحكي والنميمة ومناقشة أمور السياسة المحلية والعالمية وأحوال البورصة ـ حتى المشاكل المنزلية ـ وحل الكلمات المتقاطعة والفطور اليومي لا يحلو إلا وقت العمل. من هنا عرف العرب ـ رغم كفاءتهم ـ بإهدار الكثير من أوقات العمل، وفي الأفلام المصرية صور كوميدية تعبر عن هذا الموقف عندما نرى الموظفة تقشر البامية أو تنقي الأرز أثناء العمل. يحدث هذا رغم قيمة العمل في الإسلام، الذي حث على إتقانه وتجويده.
هذا التهاون في أوقات العمل لا يمكن أن تصححه قرارات وظيفية أو عقوبات إدارية، ولكنه يحتاج إلى استنهاض قيم الإيمان بالعمل، وإعادة تعريف العمل ومفهومه ووظيفته، ووضع قواعد جديدة للعمل تتضمن اللغة السريعة والحركة النشطة والأداء الفعال ، وإعداد قاموس إرشادي للعمل يعلى من قيمة العمل وينبه إلى خطورة إهدار دقائقه الثمينة.