الترجمة باب على الشمس، طاقة ضوء في نفق طويل من العتمة، ذاكرة جديدة للعقل، وقد حققت الترجمة على مر التاريخ إنجازات عديدة، حيث يرجع لها الفضل في تأسيس حركة التنوير العربية بدءا برفاعة الطهطاوي والرافعي والمنفلوطي ومحمد عبده، ومرورا بجيل من المترجمين الشباب في الجامعات والمراكز الثقافية والفضائيات الذين يقدمون لنا بدأب وإصرار عصارة الآداب والأخبار والفكر العالمي.
ولكن مع الدور الكبير الذي حققته الترجمة يبقى هذا الدور ضئيلا في عصر العولمة والإنترنت والفكر العالمي الجديد الآخذ في التشكل الآن، وفي عصر أصبحت فيه وحدة العالم ضرورة حتمية بعد عصور طويلة من الفرقة والتشتت وحوار الخرسان، فالترجمة يجب أن تضطلع بدورها في توحيد الفكر العالمي.
تصور لو تحدث العالم لغة واحدة .. نعم لغة واحدة.. ماذا سيحدث، ستتحد الثقافات وتتقارب الأفكار وتنمو المجتمعات، وتتراجع الأمراض، وتندر الحروب، ولكن قد تكون فكرة توحيد اللغة في العالم ضرب من الخيال، والسبب أن العالم يتحدث لغات كثيرة جدا، يقدرها علماء اللغات ما بين 2500 :5000 لغة، وهي جميعها لغات متباينة، حتى أن اللغة الواحدة كالإنجليزية تحتوي على لكنات مختلفة، بل أن اللهجات داخل القطر الواحدة تتعدد وتتباين، من هنا كانت خرافية إيجاد لغة واحدة يمكن أن يتحدث بها العالم.
ولكن دعونا نحلم بوجود هذه اللغة الواحدة التي تجعل العالم بالفعل عائلة واحدة، يفهم الروسي المغربي، ويفهم الاسترالي الياباني، وتصبح ثقافة العالم بالفعل "واحدة".
الأمر يتطلب عمل إنساني عام لترشيح لغة واحدة في العالم تكون اللغة الرسمية للحوار العالمي، وإعداد خطط لنشر هذه اللغة على صعيد البلدان المختلفة، بحيث تكون في كل بلد لغتين، لغة محلية، ولغة الحوار العالمي.
الباحثون والمخترعون يمكنهم أيضا تقريب هذا الحلم بالعمل على اختراع أجهزة تقنية قادرة على الترجمة الفورية، ويمكن للمرء بواسطتها وبجهاز صغير كسماعة البلوتوث من فهم أي لغة يتحدث بها من يقابله.
توحيد لغة العالم حلم خرافي كبير، ولكنه حلم يستحق البحث والتعب، ومغامرة مثيرة تستحق المحاولة.