تفرح الأسر بقدوم مولودها "فلان". تقتطع من قوتها لتربيه أحسن تربية. تختزل وجبات الطعام لكي توفر له المظهر المناسب أمام أقرانه، وتخاف عليه ـ كما يقول التعبير الشعبي ـ من الهواء الطائر، وتدمع عيونهم من الفرح عندما يرتدي عباءة التخرج، ويحلمون باليوم الذي يقف فيه مع عروسه الحلوة في الكوشة، ولكن "فلان" يفاجيء الجميع بنهاية سريالية غير متوقعة، عندما يرد اسمه في نشرة الأخبار، بعد أن فجّر نفسه في ما سمى بـ "عملية انتحارية".
الإرهاب جريمة، ولكنها تختلف عن مثيلاتها، فاللص يسرق، ولكنه لا يؤمن بالسرقة، أما الإرهابي فيؤمن بعقيدته الفاسدة، ولا يتورع عن قتل نفسه في سبيلها، وهنا مكمن الخطورة.
الفكر كائن لا يرى بالعين المجردة، لذلك فإن استئصال الفكر الانتحاري لن ينجح بالمواجهات الأمنية فقط، ولكن بمواجهة هذا الفكر وجها لوجه، وقص جذوره، إن جزّ رؤوس الإرهاب لا يكفي، ما دام هناك جذر شرير ينبض تحت التراب، يتحين الفرصة لينمو من جديد، وقتل الأفاعي الكبيرة لا يكفي ما دامت هناك في الجحور أفاعي تتكاثر وتبيض.
يجب أن يبدأ علماء المسلمين مواجهة فكرية شاملة مع الإرهابيين، واستعراض الفتاوى المضللة التي يستندون إليها في "تحليل" قتل الناس بغير حق، وتفنيدها بالمنطق وإعمال العقل، وإيضاح الموقف الشرعي من قضية "الجهاد" وإبانة حدوده وشروطه في ضوء الكتاب والسنة.
هذه المواجهة الفكرية ستعمل على تصحيح الصورة المشوهة التي يرسمها البعض للاسلام، وتنقذ آلاف الشباب من السقوط ضحية الفتاوى المضللة.