يعاني رجال هونج كونج من التمييز، ويشكون من أشكال مختلفة من هذا التمييز في العمل، تصوروا .. الرجال هم من يشكون من التمييز، كان من المتصور أن تكون المرأة هي التي تشكو من التمييز كما يحدث في العالم العربي، ولكن هذه المرة كان الرجل المسكين هو الضحية، وهو من يبادر بالشكوى والصراخ.
ورغم أن الخبر الذي أوردته وكالة الأنباء الألمانية لم يذكر التفاصيل، فإنني أتوقع أن يكون التمييز صادر من النصف الآخر، وهو المرأة، فليس من الطبيعي أن يكون التمييز هنا صادر عن رجل ضد رجل. المرأة الهونكونجية قررت الانتقام لذوات جنسها العربيات التي يعانين من صنوف شتى من التمييز والاضطهاد.
هذا الخبر ومع طرافته ينبهنا إلى حالة موجودة في العالم العربي نفسه، وهى حالة التمييز ضد الرجل، وهي حالة موجودة، ومتعاظمة، وإن لم تأخذ الحيز المناسب من النقاش، ولكنها موجودة.
إذا حاولنا أن نرصد وضع التمييز بين الرجل والمرأة في العالم العربي، سنكتشف أن الوضع متفاوت، فهناك دول بلغ في التمييز ضد المرأة حدا صارخا، حيث يملك الرجل مجموعة كبيرة من السلطات المجتمعية أحيانا والوضعية أحيانا أخرى على المرأة، وفي هذه المجتمعات ينمو أخطبوط التمييز ويتوحش، ويتسبب في الكثير من الجراح والمشاكل الاجتماعية.
في هذه الدول هناك تمييز مستمر ضد المرأة في الحقوق والعمل والوظائف والرواتب والتوريث والمشاركة السياسية، والحقوق العامة، وغيرها من مظاهر الحياة.
ورغم ذلك تسعى هذه الدول ببطء في سبيل الإصلاح السياسي لمنح المرأة حقوقها شيئا فشيئا، وإن كانت تصطدم محاولاتها بتيار ديني متشدد وتيار مجتمعي خانق يرفض منح المرأة صكوك الحرية، ويتلذذ ـ بسادية غريبة ـ بسلطته المطلقة على كائن ضعيف اسمه "المرأة"..
وتخفت هذه الصورة قليلا في بعض الدول الأخرى حيث حققت المرأة العربية شوطا كبيرا على طريق المساواة مع نظيرها الرجل، فأصبحت وزيرة وقاضية ورئيسة جامعة، وعضوة في المجالس النيابية، لها الحق في التصويت والترشح، والمشاركة السياسية، ولكن هذا النموذج المزركش كانت تشوبه دائما بعض السلبيات، حيث كانت المساواة في بعض الأحيان شكلية، تصدر بقرار، وليس عن اقتناع المجتمع، حيث كان الموروث المجتمعي دائما يمارس التمييز من الداخل، حتى ولو تشدق بحقوق المرأة، وهتف ـ حتى احمر وجهه ـ مطالبا بحقها في المساواة.
وإن كان للبعض رأي آخر، حيث يضيقون ذرعا بتعاظم نفوذ المرأة، ومزاحمتها للرجال في الوظائف والمرافق ووسائل النقل العام، حتى أن البعض طالب ـ بصورة معاكسة ـ بإنصاف الرجل ومنحه حق المساواة مع المرأة.
في بعض الدول تكون العلاقة بين الرجل والمرأة علاقة بين السيد والجارية، وفي دول أخرى تتبدل العلاقة لتكون علاقة بين السيدة والعبد، وكلا النموذجين خطأ.
النموذج الأمثل للمساواة بين الرجل والمرأة في العالم العربي لم يتحقق بعد، والسبب التقاليد والثقافة وأحيانا الفهم غير الصحيح للدين، كل ذلك يجعل عملية المساواة الحقيقية لم تتحقق بعد. وإن كنا نعترف بقتامة الصورة في بعض البلدان، ورمادية الصورة في بلدان أخرى.
الأمر كان دائما أحد شيئين، إما الظلم الفادح وحرمان المرأة من حقوقها من ناحية، أو اجراءات شكلية مجاملة للإيحاء بالمساواة ، دون وجود تغيير مجتمعي حقيقي.
على سبيل المثال "الكوتا" التي خصصتها بعض الدول للمرأة في عضوية مجلسي النواب والشعب محاولة مشكورة لدعم تواجد المرأة في المجالس التشريعية والنيابية، ولكنها كانت خطوة رسمية، والخطوة الحقيقية هي أن يقتنع الشعب نفسه بأهمية تواجد المرأة في هذه المجالس،ويقوم بانتخابها طواعية، وهذا لن يتحدث إلا بعد سنوات طويلة من التوعية.
دعم المرأة حق دائما بيد الرجل يمنحه وقتما يشاء ويمنعه وقتما يشاء، وهو يتجسد دائما في قرارات رسمية كتخصيص عربات خاصة للمرأة في المترو ، أو تخصيص كوتا خاصة بالنساء في الهيئات المختلفة. ولكنه لم يكن أبدا حق مجتمعي يقتنع به المجتمع أولا ويمنح المجتمع للمرأة ثانيا.
ما نريده هو منح المرأة حقها الطبيعي كإنسان قبل أن تكون امرأة فلا نبخل بهذا الحق فننتقص من هذه الحقوق، فنقع في خطأ التمييز ضد المرأة لصالح الرجل، ولا نزيد فنقع في دائرة المجاملة، وفي خطأ التمييز ضد الرجل لصالح المرأة.
إن الواقع المعاش يؤكد وجود حالات كثيرة لمجاملة المرأة من قبل الرجل، خاصة في مقار العمل باعتبارها أنثى، وباعتبارها وليمة جنسية في نظر البعض، أو قل وليمة عاطفية في نظر البعض، والذنب بالطبع ليس ذنب المرأة، ولكنها ذنب فئة من الرجال الذين مازالوا يتعاملون مع المرأة كجسد، وليس عقل.
وتكون نتيجة ذلك مجاملة المرأة على حساب الرجل، حيث يمكن أن تمنح امتيازات لا يحصل عليها نظيرها الرجل، وهنا تظهر الشكوى التي تكون صامتة غالبا من وجود تمييز ضد الرجل.
ربما تتم مجاملة المرأة ـ بحسن نية ـ باعتبارها الكائن الأضعف، ولكن يجب أن نعترف أنه في كثير من الأحيان تكون المجاملة باعثها الهوس الجنسي الذي يعشش في رأس الرجل الشرقي، وهناك أمثلة كثير مسكوت عنها حول جرائم رشا جنسية وعاطفية تتم في إطار العمل، وتكون ضحيتها المرأة، جرائم تتسبب في مجاملة المرأة مقابل ثمن رخيص، وهنا لا تنهار المساواة فقط، ولكن تنهار القيم كلها..
ورغم أن المرأة هنا غير مذنبة، فإنه تحريا للحقيقية يجب أن لا ننكر أن بعض النساء ـ غير السويات ـ يقمن باستغلال هذه النقطة، ويتسلقن، ويحصلن على العديد من المزايا دون حق.
ما نريده مساواة موضوعية بين الرجل والمرأة، مساواة مجتمعية طوعية نابعة عن اقتناع، وليس عن مجاملة أو إحساس بالذنب، أو تجميل الصورة، أو الادعاء أننا شعب متحضر يمنح المرأة حقوقها. ما نريده هو إبطال الصورة الذهنية الجنسية الغبية التي يختزنها بعض الرجال عن المرأة، والتعامل مع الرجل والمرأة على حد سواء كعقل وفكر وأداء.