لسنوات طويلة ظلت "الهجرة" كلمة مستهجنة، تعني ـ بدون تفكير ـ حرمان الوطن من كفاءاته، والبعض يلعب على الوتر الحساس، ويصفها ـ بطريقة استعارية ـ بمغادرة الطيور أعشاشها، وجحود الأبناء للوطن.
ولم يدر هؤلاء أن "السعي" أمر إلهي، وأن البحث عن الرزق في بلاد الله الواسعة تكليف شرعي، والهجرة ليست كلها شرا، وليست نكرانا لجميل الوطن، بل تكون في كثير من الأحيان عونا للوطن، من خلال التحويلات المالية التي يحولها المهاجرون لأوطانهم، أو الاستزادة من العلم والاستفادة من تلاقح الثقافات، أو المساهمة في تنمية مجتمعات إسلامية شقيقة، ومن ناحية أهم التمثيل المشرف للوطن في بلاد وأمم أخرى غريبة نحن أحوج ما نكون لتصحيح الصورة المغلوطة التي تتخذها عنا.
الهجرة قانون طبيعي للحياة يحدث إذا اقتضت ضرورة ذلك، فالإنسان منذ الأزل يرحل وراء الماء والكلأ، ودوافعها اليوم مختلفة، منها الدراسة والعلم، أو البحث عن فرص أوسع للرزق، أو الزواج، أو الإقامة الدائمة، ولا نستطيع أن نلوم المهاجر على الرحيل، لأن أرض الله واسعة، والعصافير تحط حيث توجد أرزاقها والمناخ المناسب لمعيشتها.
وللهجرة فائدة استراتيجية يجهلها الكثيرون، فمن خلال تجمعات المهاجرين في بلد ما يمكن الدفاع عن القضايا العربية والدعوة والتأثير في الأمم والثقافات، وهذا ما فعلته إسرائيل. حيث يتحكم اللوبي الإسرائيلي حاليا في الإعلام والسياسة والاقتصاد في أمريكا، ويوظفها توظيفا شيطانيا في خدمة أهدافه.
يجب أن نصحح الصورة الذهنية التي نتخذها عن"الهجرة"، ونتوقف عن اعتبارها عارا وخيانة، ونتعامل معها كوسيلة للنجاح وتوفير حياة أفضل والتعاون بين الشعوب وسلاح استراتيجي غير مباشر للدفاع عن قضايا الوطن والأمة.