انتقد الكثيرون ألعاب الكمبيوتر، وعددوا مخاطرها، ومنها قلة الحركة، وتبديد الوقت، والسلوكيات السيئة التي تنتقل مباشرة إلى الطفل، فاللعبة هنا وما تتضمنه من مواقف وأشخاص ومعاني أصبحت قدوة مباشرة للطفل، وهي ليست قدوة عادية، ولكنها قدوة مزوقة مدهشة بالإغراء والتسلية، تدخل مباشرة إلى العقل، ولكن هناك سلبية خطيرة لألعاب الكمبيوتر لم يتطرق لها أحد.
ألعاب الكمبيوتر توفر للطفل مباريات ومسابقات، وتغريه لتحقيق الفوز بنقاط ومؤثرات صوتية، وعندما يحرز الطفل الفوز يتقافز على الكرسي ويصيح، فقد حقق المراد وفاز في اللعبة، ولكن لا يعلم الطفل في هذه السن الصغيرة أن النصر الذي حققه النصرا الوهمي.
الكثير من ألعاب التقنية تستغل حاجة نفسية مهمة لدى الأشخاص، سواء أكانوا كبارا أم صغارا، وهي الحاجة للنصر والفوز، فبدأت في تقديم هذه الخدمة، وذلك بتوفير أشكال متعددة من الألعاب التي تمنحك الفوز، وتروي داخلك الحاجة النفسية إلى التفوق والإحساس بالذات.
ألعاب عديدة تقدمها شركات التقنية وشركات الاتصالات تتيح لك اللعب، حتى مع نفسك، فلا يوجد خصم تلعب معه، وتفوز عليه، ولكن اللاعب هو أنت، والخصم هو أنت، والجمهور أيضا هو أنت، وما عليك إلا أن تلاعب نفسك، وتتحمس وتشجع وعندما تحرز هدفا ـ ضد نفسك ـ تصفق لنفسك، وتقفز فرحا كالمجنون.
ألعاب التقنية تروي شغفك للفوز، تزيد قدرتك على الخيال والحلم، ولكنها في الوقت نفسه تسلب منك القدرة الفعلية على الأداء والعمل، وبالتدريج يتحول الشخص إلى كائن لا يحقق أهدافه إلا في الخيال، ولا يحقق الفوز إلا في الأحلام .
النصر الافتراضي الذي توفره الألعاب ومواقع التواصل تصيب الإرادة الشخصية بالليونة والارتخاء، كيف لا وقد قدمت لك حاجاتك النفسية جاهزة دون جهد، فلماذا تعمل وتقاوم، فتتعطل بذلك أهم آلة داخلك وهي الإرادة.
الفوز إحساس فريد ورغبة وحاجة نفسية واجتماعية يشترك فيها الجميع، حتى لو كانت الوسيلة لتحقيق ذلك اللعبة الشعبية التي كنا نمارسها في أحد الموالد بدفع الكتلة الحديدية باليد بقوة حتى تصطدم بالمفرقعات الصغيرة، أو إلقاء الأطواق على لعب صغيرة ، أو التهديف ببندقية على "البمب".
الفوز حاجة نفسية، وهناك طرق مختلفة لتلبية هذه الحاجة، فإما أن يحصل عليها الإنسان بالجد والعمل والسعي الدؤوب للنجاح، وهو الطريق الطبيعي السوي الذي يجب أن يسلكه الجميع. وإما أن يلجأ الإنسان إلى الفوز التعويضي، وذلك باستبدال فوز الشخص بفوز الفريق الكروي المفضل، أو فوز المطرب المفضل، أو فوز الحزب السياسي، ولهذا التعويض مخاطره، فقد يصل حماس الشخص في تشجيعه التعويضي هذا إلى التطرف، ولعل أحد الشواهد على ذلك حالة التعصب الشديدة التي يصل لها المشجعون والمعجبون والمنتخبون والتي تصل أحيانا إلى التدمير وربما القتل، ومن الممكن أن تسبب خسارة الفريق المفضل انتكاسة نفسية للمشجع، قد تؤدي به إلى نتائج سيئة، كما يحدث أحيانا عندما ينتحر مشجع لخسارة فريقه الكروي.
وتستغل بعض الأنظمة هذا الاحتياج النفسي للفوز ، لصرف النظر عن الهزائم الاقتصادية والسياسية المتوالية بإلهاء الناس بالنصر الوهمي والذي تحققه مباريات كرة القدم وإشعال الخلافات بين الدول، وتفجير المعارك الكاذبة.
كلما زادت فرص تحقيق الفوز الوهمي المخدر في المجتمع، كلما قلت فرص الإنسان في الفوز الحقيقي في الواقع، والسؤال الذي يطرح نفسه الآن .. لماذا لا نوفر للشباب مسارات آمنة للفوز الحقيقي بدلا من الفوز الوهمي الذي توفره ألعاب الكمبيوتر والتشجيع الكروي والعنف والمخدرات؟.
لماذا لا نروي الرغبة الإنسانية الطبيعية في الفوز وتحقيق الذات من خلال مشاريع يمتزج فيها الترفيه بالتطوع وخدمة الناس، وتنمي الهوايات، ومشاريع صغيرة للنجاح والربح، .. لماذا لا نجذب الشباب، وننقذهم من الضياع في الفضاء الخارجي بعيدا عن الجاذبية، وراء النصر الوهمي والافتراضي، ونوفر لهم فرصة الفوز الحقيقي في الواقع.
سنضرب بذلك عصفورين بحجر واحد، سنحمى الشباب من السقوط واللجوء إلى الوسائل غير الشرعية لتحقيق الذات، وفي الوقت نفسه سنخدم المجتمع، ونقدم جيلا يتمتع بالصحة النفسية والاجتماعية، يحقق أحلامه على الأرض.
تاريخ الإضافة: 2014-04-17تعليق: 0عدد المشاهدات :1267