الحب مجازفة، ..الزواج كذلك، الوقوف في طابور الخبز مجازفة، البوح مجازفة، .. الشهيق والزفير ..، والعمر نفسه مجازفة، الحياة فراشة طائرة إن لم تقبض عليها بيديك ستطير، فلا تركن لأكذوبة الحرص، وطقوس التطير والشعوذة، دعك من العبارات المأثورة التي تدعوك للتأني، وترسخ العجز، وتقنن الكسل مثل "في التأني السلامة وفي العجلة الندامة"، فالعمر دقائق وثواني، لن تترك لك فرصة للتثاؤب، جازف لتخرج من الشرنقة، وتعانق ضوء الشمس، وتتذوق ثمرة النجاح.
كثير منا لا يتحرك إلا بعد دراسة الأمر، يهرش رأسه ويفكر، ويدور كالفأر في أنحاء الغرفة ليتخذ قرارا بسيطا، كالخروج من المنزل، أو محادثة صديقة. الحرص عادة حميدة، ولكنها تكون أحيانا بوابة للفشل، لأن الكثير من الفرص تأتي وتذهب، والإنسان الذكي هو الذي يقبض على اللحظة، ويقتنص الفرصة الهاربة.
كثير من الناس وقعوا في دائرة الفشل، ولم يحققوا شيئا في حياتهم، والسبب أنهم ركنوا إلى القضاء، وجيّروا كل شيء للقدر، فالنجاح برأيهم قدر، والفشل أيضا قدر، فما الداعي ـ برأيهم ـ للحزن أو الاعتراض أو القلق، أو العمل، وتركوا حياتهم كالريشة تتقاذفها الرياح، لا يعلم أحد أين ستسقط ، في حديقة أو في مستنقع آسن؟.
لا أحد ينكر القدرية، وان لكل أجل كتاب ، "لا تسير قدم عن قدم إلا بأمر الله"، ولكن الله تعالى أمرنا بالسعي، والعمل والكفاح وإعمار الأرض، ورغم أن القدر مكتوب فإن الإنسان قادر على تغيير واقعه وقدره، وقدم الله لنا خريطة التغيير الدقيقة، يقول تعالى"إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم".
تغيير النفس خطوة أساسية للتحول، فإذا أردت أن تحول شركة خاسرة إلى رابحة لن يتم ذلك بتغيير اسمها، ولكن بتغيير جوهري في الإدارة، وفي علم الإدارة يقولون أن المخرجات نتائج للمدخلات، فإذا كانت المخرجات سيئة، عليك أن تغير المدخلات، وفي الآية الكريمة إقرار بأن التغيير ممكن، أيضا إقرار بأن هذا التغيير مرتبط بتغيير الإنسان لنفسه.
ولكن الكثيرين لا يدركون الأمر، فإذا أصابهم شيء قالوا "قدر الله ما شاء فعل"، دون أن يعوا أن قدرية الحياة والرزق والموت والعمل وغيرها من مظاهر الحياة لا تعني أبدا عدم وجود دور للإنسان فيما كل ذلك، ولا دور في تغيير ذلك.
التوكل على الله لا يعني الاستسلام للقدر، فهناك أمر وتكليف إلهي بالتغيير، ولو استسلم كل إنسان لقدره لتوقفت الحياة، .. عظمة الحياة تكمن في الإرادة، ذلك الوقود السحري الخطير غير المنظور الذي يدفع الإنسان للبحث والمثابرة، وتخطي الآلام، والتغلب على الظروف، والسعي للأفضل.
الناظر لسير الناجحين سيجد أن الطموح والعمل والإصرار والمجازفة عناصر أساسية بها، فالطموح أولا يعني وجود هدف، وهو أمر غير عادي يسعى المرء لتحقيقه، أما العمل فهو جوهر التغيير، ماكينة الإنتاج التي لا تهدأ، أما الإصرار فيعني الثبات على الهدف، والإصرار على الوصول إليه مهما كانت العقبات.
وتأتي بعد ذلك المجازفة، وهي لا تعني النزق أو الاندفاع أو التهور، لا تعني القفز في الماء وأنت لا تجيد السباحة، أو القفز من الطائرة دون مظلة، ولكنها تعني سرعة البديهة والمقارنة والمفاضلة بين الخيارات، وتبين أفضل الاتجاهات، والجرأة في اتخاذ القرار، والتوكل على الله.
والقرار قد يكون بائسا فاشلا في ظاهرة، ولكن بالعمل والجهد يتحول إلى نجاح، والنفق قد يكون مظلما في البداية، ولكن بالعزم والإصرار والصبر والتحمل يظهر الضوء من بعيد، والأمثلة على ذلك كثيرة، .. مهاجر سافر على أحد البلدان الأوروبية وليس في جيبه سوى 100 دولار ، ولكن بعزمه وإصراره تحول في سنوات معدودة إلى أشهر مدرب في البرمجة اللغوية العصبية، وآخر عمل في أبسط المهن، وقضى ليال طويلة بدون وجبة العشاء، ولكنه بعد سنوات أصبح رجل أعمال يشار له بالبنان. قصص الكفاح والنجاح كثيرا، والمجازفة عنصر رئيسي بها.
المجازفة كلمة السر للنجاح، تحرك وحاول وثابر، وابحث عن فرصتك، فقد تكون على بعد متر منك وأنت لا تدري، فلا تركن لمشية السلحفاة ، وكن كالكنغر الاسترالي يقفز في القفزة الواحدة عشرات الأمتار.. تحرك وجازف لتقبض على فرصتك العظيمة الطائرة.