يعتاد الكثيرون على العزلة والتردد والعجز عن اتخاذ القرار، والسبب ربما يرجع إلى النشأة الاجتماعية التي تربى عليها المرء، حيث تبالغ الأم العربية في الحرص على طفلها، وتتلي عليه كل يوم قائمة الممنوعات، التي تتركز على التخويف من غول نفسي اسمه الغرباء، فينشأ الطفل على التردد والتوجس من المجتمع، لتنشأ بذلك الشخصية الانعزالية.
وقد يكون السبب أكثر شمولية، حيث تتسبب بعض التقاليد الاجتماعية في نشأة الفرد على الرأي الواحد الذي يتمثل في سلطة الأب المقدسة، فينشأ على الطاعة العمياء وسماع الأوامر وتنفيذها وعدم الحوار أو المناقشة.
كثير من الآباء يحاصرون الطفل بالأوامر والنواهي واللاءات التي تحوله إلى دمية متحركة تخشى الفعل ورد الفعل، ويكون نتاج هذه التربية القمعية في المستقبل رجلا مسلوب الإرادة، غير قادر على اتخاذ القرار، وينعكس ذلك عليه في كافة مراحله، ففي الحياة الزوجية يكون زوجا ضعيف الشخصية، وفي الحياة العملية يكون موظفا آليا غير قادر على الإدارة والإبداع، لتنطبق بذلك مقولة "من الحب ما قتل".
يجب أن نتعامل مع الطفل منذ الصغر ككيان إنساني يشعر ويحزن ويتأثر، كيان له أفكاره مهما بلغت بساطتها وسذاجتها، وأن نعود الأبناء منذ الصغر على حرية الرأي، حتى لو كان الرأي مختلفا.
من المهم تدريب الطفل على الثقة والاعتماد على النفس واقتحام التجارب ومعرفة الصواب والخطأ، وإبداء الرأي، حتى لو كان الرأي مختلفا، وترك الحرية له لكي يختار ملابسه وألعابه، واستشارته عند اختيار طعام اليوم، وعند الخروج إلى التنزه، أي الملاهي يريد؟، وأي الألعاب يريد أن يلعب؟ ، بذلك نزرع فيهم مباديء الشخصية السوية القادرة على العمل والنجاح.