منذ أكثر من ألف ومائتي عام وضع الناقد ابن سلام الجمحي (139 - 231هـ) كتابه المهم "طبقات فحول الشعراء" الذي ما زال أحد المراجع الهامة في النقد الأدبي، ابن سلام في كتابه هذا عمد إلى ما لم يسبقه إليه النقاد الآخرون، حيث عمد إلى تقسيم الشعراء إلى طبقات "الشاعر" ويعلوه مرتبه "الفحل" ويعلوه "الخنزيز"، وراح يصنف شعراء عصره وفق هذه المراتب وفقا لمستوى ما يقدمونه من شعر ، ويضع معايير جودة الشعر.
كذلك فعل ابن المعتز في كتابه "طبقات الشعراء" وابن رشيق في كتابه "العمدة"، فقد كان تصنيف الشعراء أحد أدوات النقد الأدبي في هذه العصور، وأحد وسائل الفصل بين الجيد والرديء.
ورغم أنني شخصيا ضد التصنيف، والحساسية التي تصيب الكثيرين عندما تذكر هذه الكلمة بدعاوى مختلفة كالمساواة، إلا أنني أرحب بهذا التصنيف الذي أجراه ابن سلام وغيره، لأنه ليس تصنيفا اجتماعيا يتعارض من المساواة الاجتماعية، ولكنه تصنيف أدبي ينصب على أداء المرء، وما يقدمه من نتاج أدبي، وهذا فعل حميد، فأي أداء يجب أن يقيم ويصنف، والكثير من المهن في حياتنا تخضع للتصنيف، ففي الطب هناك الطبيب والاختصاصي والاستشاري والحاصل على الزمالة، وفي التعليم هناك معلم ومعلم أول وموجه. وهكذا ..
ولكن لماذا لا تعمم فكرة التصنيف لتشمل الشعراء كما سنها الجمحي، وتمتد إلى الكتّاب والأدباء والمثقفين والفنانين؟، وفيها يصنف المبدعون، ليس وفقا لأعمارهم أو مكانتهم الاجتماعية، ولكن وفقا لأعمالهم وإنتاجهم الأدبي؟.
التصنيف الذي أقره الجمحي منذ 1200 عاما سيقضى على الكثير من المظاهر السلبية في حياتنا الثقافية، سيقضى على الزيف والإدعاء وطغيان الأضواء على الأداء الحقيقي، وسيعطي مساحة أكبر للقيمة، فلا تبرز إلا القيمة فقط. سيقضي التصنيف على فئة كاملة من المدعين الذين يتخذون من الأدب قناعا للوجاهة الاجتماعية، وستارا لأغراض أخرى، وسيعطي الفرصة فقط للموهوب، ويحفز الأجيال للإبداع والتفوق.
ولكن المشكلة ستكمن عندها في الآليات التي ستحكم هذا التصنيف والأسلاك الشائكة التي تعيق الوصول إليه، والشلل الثقافية التي لا تنمو وتزدهر كالطحالب إلا في الفوضى وغياب المعايير.
ولكن مع إقرارنا بالصعوبات التي تحيط بالفكرة، ستظل فكرة تستحق الطرح والنقاش والسجال الإيجابي المستمر.