أخبرتني صديقة دنماركية أن هناك ما يسمى "سابو" وهو هيئة أو منظمة أو شيء من هذا القبيل تتابع وتشرف على العلاقات غير الشرعية والتي تسمى في الغرب علاقات البوي أو الجيرل فريند. لا أدري هل الـ "سابو" هذا منظمة رسمية أو أهلية، وهل تعمل في الدنمارك فقط، أم أن هناك أشكال لها في الدول الأخرى. .. وذلك في إطار مناقشة متبادلة معها لإقناعها أن العلاقة الصحيحة بين اثنين لا تتحقق إلا بالزواج، وليس بعلاقات المصاحبة والمساكنة والمؤانسة غير المنضبطة التي تحدث كثيرا في الغرب.
ففي الغرب يتعرف الفتى على فتاة فيصادقها، ويطلق عليها الجيرل فريند، بينما هي تطلق عليه "البوي فريند"، وتتيح هذه العلاقة ما يتاح للزوجين، وإذا رغب الاثنان في العيش معا يتم ذلك ببساطة شديدة ، فهي تعيش معه أو هو يعيش معها .. سيان، وفي حالات أخرى يؤجر الإثنان المكان، ويتشاركا في جلب بعض الأثاث. وانتهى الأمر. ويتم ذلك في كثير من الأحيان بموافقة وتحت نظر الأبوين.
استغربت حقيقة الأمر ، لأنها المرة الأولى التي أعلم بها بوجود هذه العملية الإشرافية على علاقة محرمة، واغتظت، وقلت في نفسي إنهم يقنون العلاقة المحرمة، فلماذا لا نقنن نحن العلاقة غير المحرمة وهي الحب؟.
"الحب" شئنا أم أبينا أمر واقع وطبيعي، يلبي الفطرة الإنسانية التي تعني اجتذاب الرجل للأنثى والعكس، سواء أكان هذا الانجذاب عاطفيا أم جنسيا، وهي فطرة فطر الله الإنسان عليها، وهي لاشك وجدت لحكمة، وهي فضلا عن معانيها الروحية فإن هذا الانجذاب يضمن التكاثر ، وهو هدف أصيل من المهمة الكبرى التي أوكلها الله للإنسان وهي إعمار الأرض.
تصور لو لم يوجد هذا الانجذاب الطبيعي الفطري بين الرجل والمرأة، سيكون التكاثر هنا تكاثرا آليا مفرغا من المشاعر، خاضعا للمصلحة وهي الإنجاب، وسوف يعزف البشر نساء ورجالا عن التكاثر، ويؤدي ذلك بالتدريج إلى وقف عملية التكاثر، وبالتالي يقل عدد البشر، وتضمحل الحضارات وتبيد الأمم، وتتناقص الشعوب، ليأتي يوم في النهاية ينتهي معه وجود البشر.
الحب علاقة عاطفية يمارسها الشباب والفتيات في المراحل المختلفة، بمجرد أن يميز كل منهم الأشياء، وليس شرطا أن تحدث في سن الشباب، حيث تحدث أحيانا في سن صغيرة جدا، ولا تستغرب أن يحدث ذلك في المرحلة الابتدائية.
ورغم أن "الحب" بمعناه الاصطلاحي محرم دينيا ومرفوض اجتماعيا في العالم العربي، حيث يعتقد الكثيرون أنه يتعارض مع الدين والأخلاق والمعاني السليمة، ويتعارض مع موروث ثقافي عربي يؤكد على حرمة العلاقة بين الرجل والأنثى خارج نطاق الزواج ، واعتبارها علاقة بين الزيت والنار، فإننا يجب أن نعترف أن الحب موجود، ويمارس سرا بين المراهقين والشباب، حتى بين المتزوجين.
لم ينجح الرفض الاجتماعي للحب في منعه أو التقليل منه أو تقويضه، لأن منع الحب هنا أشبه بمحاولة منع النهر من الجريان، وبعيدا عن الحلال والحرام الحب فطرة إنسانية قوية، عضلة غير إرادية موجودة في كل إنسان، ليس فقط في الإنسان، بل الحيوانات والطيور والحشرات وجميع الكائنات، الحب مقوم أساسي من مقومات الحياة، ولو فقد لانهارت الحياة نفسها.
بعض حالات الحب تنتهي بالزواج، وبعض منها ينتهي بالانتقال من مرحلة إلى أخرى، والبعض أيضا يتحول إلى علاقات محرمة بين الجنسين، تتم في الخفاء بعيدا عن أعين المجتمع الذي يجرم هذه العلاقة، والدين الذي يرفضها ويحرمها من الأساس.
بعض العلاقات ينتهي دون أضرار، والبعض الآخر ينتهي بعد أن تتسبب في أضرار نفسية واجتماعية ، والبعض الثالث ينتهي بمشكلات ونزاعات ومواجهات قضائية تشهدها المحاكم، وبعض الحالات تنتهي بالجريمة. وبعض الحالات تنتهي ـ كما حدث مع صديق عربي ـ بأن تسرق الجيرل أثاث المنزل وتختفي، ليأتي روميو من عمله ليجد نفسه على البلاط.
وفضلا عن الجانب الأخلاقي في تحريم العلاقة بين الرجل والأنثى خارج إطار الزواج، فإن هناك ضرر مؤكد من هذه العلاقة التي تتم سرا، حيث تتسبب عملية الإخفاء والهرب المستمر والخوف من الافتضاح مشاعر سلبية من القلق والتوتر، والذي تنعكس على الطرفين.
كما أن هذا الاستتار الذي تمتاز به هذه العلاقة سوف يعطى فرصة أكبر للخطأ. فالتحرك في الظلام قد يتسبب في اصطدامك بحائط أو شجرة أو الوقوع في بئر، أما التحرك في النور فيوفر لك السلامة، ويساعدك على معرفة الطريق، لتصل في نهاية الأمر بسلام.
السؤال مرة أخرى مادام البعض يحاول تقنين الخطأ، فلماذا لا نقنن الصواب، البعض يحاول تقنين الحرام، فلماذا لا نحاول نحن تقنين الحلال. ولماذا لا نخرج الحب من كونه ممارسة غير منضبطة تمارس في الظلام لتكون ممارسة منضبطة تمارس في النور؟.
الأمر يحتاج أولا إلى تغيير المفهوم الخاطيء عن الحب، ويحتاج ثانيا إلى إعادة تعريف هذا الحب بحيث يشمل العناصر الإيجابية مع تجنب السلبية، ما نريده أن يكون الحب ممارسة وجدانية مشروعة ليس فيها خطأ، تمارس في النور تحت نظر الأبوين، أو المجتمع. على أن يقوم الأبوان بالتربية العاطفية للجنسين، بتوضيح الجيد من الردي، الصواب من الخطأ، المحرم وغير المحرم. بذلك سيتحول الحب من وحش خفي يفترس الأبناء في الظلام إلى قوة دفع إيجابية للاستقرار والسعادة والنجاح والعمل. الأمر ليس سهلا كما نتصور، ولكنه الخيار الوحيد أمامنا لمواجهة الشر والخطأ والفواحش والعلاقات غير المشروعة.
أعداء الفضيلة يعملون ليل نهار على تقنين الخطأ، ألم تسمعوا عن مؤتمر بكين للصحة والسكان منذ سنوات والذي نادي بإطلاق الحرية الجنسية للجنسين، هل قرأتم ماكتب عقب ظهور أفلام إباحية لعارضات أزياء وفنانات، و"استنكار" البعض "لاستنكار" ذلك باعتبار أن ذلك يمس الخصوصية، وأن لكل شخص الحرية في أن يفعل أي شيء، هل رأيتم ما تقدمه السينما العربية والتي تعمل منذ سنوات بعيدة على "تشريع" العلاقة المحرمة بين الرجل والمرأة، واعتبار ذلك عصرية وتطور، وترويج نموذج "البوي والجيرل فريند" الغربي القديم، وبرامج الواقع التي تهدف إلى تقنين الشذوذ والعلاقات غير المشروعة بين الشاب والفتاة؟.
علينا أن نواجه هذه المخطط القذر والذي يهدف إلى "تقنين الخطأ" وذلك بمسارعتنا نحن بـ "تقنين الصواب"، الأشرار يعملون بسرعة على تقنين الحرام، وعلينا أن نسارع بنفس السرعة لـ "تقنين الحلال". حتى لا تأتي لحظة ما يكون فيها المتمسك بالأخلاق منبوذا كالصعلوك الخارج على قوانين المجتمع.