التطور حركة مستمرة لا تتوقف أبدا، كالخلية التي تتحرك وتتحد مع غيرها بشكل متوالي لتنمو وتكبر، وإذا حاولت أن تقف أمام التطور ستأكلك التروس، والتطور يشمل جميع مجالات الحياة في العلم والتقنية، وفكر الإنسان الذي يتطور بمرور الزمن، وتتغير نظراته ومواقفه وأفكاره تبعا لتعدد تجاربه التراكمية.
والإنسان في البداية يكون جنينا، ثم ينمو رضيعا، فطفلا ، فشابا، فرجلا .. ، والعصور تتوالى وتتقدم، والعقل الانساني يعمل ويفكر ويقدم الاختراعات الحديثة التي تنقل الانسان إلى النهضة والتقدم، ولاشك أن اختراعات اليوم أفضل من اختراعات الماضي ، والاختراعات التي سنشهدها في المستقبل أفضل من اختراعات اليوم، ، وكل فترة تكتشف أنواع جديدة من الكائنات والمجرات والكواكب والعلاجات، .. نظريات جديدة تكتشف فتنسف التي قبلها وتغير تفسير الإنسان للأشياء ، .. وهكذا تنزع الحياة إلى التطور المستمر، وهذه سنة من سنن الحياة.
لو لم تتطور الحياة لتآكلت وانقرضت، بفعل أسباب عدة كالمرض، والتخلف، والجهل، والصراعات، وانتخاب الطبيعة، والتخلف الفكري، ولكن حكمة الله تقضى أن يكون التطور هو الضمانة لاستمرار المجتمع الإنساني وبقائه، ويتوافق ذلك مع قوله تعالى " وما أوتيتم من العلم إلا قليلا"، فمهما حققنا سيظل هناك العلم الجديد المدهش المقبل، والذي يكتشف شيئا فشيئا بسعى الإنسان وتفكيره، وعلينا أن نستمر في التفكير والسعي لاكتشاف المزيد من قدرات الله الواسعة.
ولكن البعض يقفون أمام التطور، يريدون أن يوقفوا الزمن، يريدون أن يحتكروا العلم والمعرفة والحرية، وأن يظل الآخرين غارقين في الجهل ليسهل عليهم اقتيادهم كالأغنام والسيطرة عليهم، وذبحهم عند الحاجة.
هناك من يرفض التطور، لأن التطور دائما يأتي بالعلم ، والعلم يعرف الناس بحقوقهم، وإذا عرف الناس حقوقهم سيحاولون استردادها، ومن ثم سيحاصرون من اغتصب هذه الحقوق، لتحدث المواجهة الحتمية لإزالة قوى الشر المغتصبة.
لذلك تفضل بعض الأنظمة أن تظل شعوبها غارقة في الفقر والجهل والتخلف، تركض في صراعها اليومي خلف رغيف الخبز، لأن الشعوب لو أمنت على قوت يومها ستفكر في حقوقها، وهم لا يريدون ذلك، يريدون أن يظلوا يحتكرون السلطة والمال والجاه، يتوارثونه فيما بينهم، يريدون الرعية مغيبة تائهة قانعة بالسلطة الغاشمة، تسبح بحمدها وشكرها ليل نهار.
هناك من يقف أمام التطور، ويتمسك بتلابيب الماضي، بحسن نية، ودافعه فقط الحنين لماضيه وأدواته وذكرياته الخاصة، فيلجأ إلى التمسك بالقديم، ويرفض المخترعات الحديثة، والبعض الآخر يرفض التطور، والسبب أنه سيفقد في العالم الجديد نفوذه وسلطته ووظيفته، فالتطور يقابل أحيانا بالمقاومة، لاعتقاد البعض أن التطوير سيأتي بآخرين على علم بهذا الجديد، وأن ذلك يعني فقدانهم لوجودهم ووظائفهم، تماما كما كان الباشوات يتمسكون بالملكية، ويتآمرون ضد ثورة يوليو 1952، لأنهم يعلمون أن الثورة جاءت لتكنسهم بالمكنسة، وترسى قواعد جديدة لا مكان فيها للطبقات، ولكن التطوير الحقيقي يعني تحسين الأعمال، ونوعية الوظائف، والارتقاء بالمجتمع.
الرافضون للتطور يتسلحون بالعادات والتقاليد والأفكار البالية، والمؤسف أنهم يتذرعون أيضا بالدين، ويعتقدون أن التطور يتعارض مع الدين، وأن دعاته إنما يهدفون إلى التخلي عن الدين في الأساس، وهذه فكرة عقيمة غبية تدل على الجهل بالدين، وللأسف من يعتقدون بذلك كثيرون، ومنهم من حرم التقنية باعتبارها بدعة، ورجس من عمل الشيطان، وذلك يحتم ضرورة التحرر الديني، وإعادة الفهم لقواعد الدين، وإبانة كيف أنه لا يتعارض مع التطور التقني والمعرفي، وأن الله يدعونا إلى التفكر والتدبر، وتحصيل العلم، وتقديم الاختراعات والأفكار التي تخدم البشرية.
التطور طوفان جارف، والوقوف أمامه ضرب من الجنون، ولكن البعض مستعد للوقوف أمامه حتى الرمق الأخير ، كالانتحاري الذي يحيط نفسه بالمتفجرات، ويفجر نفسه بين الأبرياء من أجل فكرة مضللة.