الاقتداء صفة إنسانية طبيعية لصيقة بالإنسان منذ طفولته، فالطفل يتعلم الأشياء قبل مرحلة الإدراك بالتقليد والمحاكاة ، وعندما يكبر ويدرك ويتحول فعل (التقليد) لديه إلى فعل (الاقتداء) الذي يستمر معه في كافة مراحل الحياة.
والاقتداء عملة لها وجهان، وجه حسن ووجه رديء ، فالاقتداء قد يكون مفيداً محفزاً لفعل إيجابي، وقد يكون ضاراً محفزاً لفعل سيء. يتوقف ذلك على الشخصية المقتدي بها، وصفة الاقتداء سلبية كانت أم إيجابية .
وقد حثنا ديننا الإسلامي على اتخاذ القدوة الحسنة والتمثل بها، يقول تعالى في كتابه الحكيم لقد كان لكم في رسول الله أسوةٌ حسنة لمن كان يرجو الله ورسوله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً الآية " الأحزاب 21" ، وكان الصحابة رضوان الله عليهم يقتدون رسولهم الكريم في أخلاقه وشميه وأفعاله ، وكان ذلك نموذجاً للاقتداء الإيجابي الفريد الذي ساهم في نصرة الإسلام وتقوية دعائمه في مرحلة بالغة الأهمية من مراحل النشأة الإسلامية.
وتراثنا الإسلامي يذخر بالعديد من الروايات والأحداث العظام التي لعب فيها الاقتداء الإيجابي دوراً كبيراً في تشكيلها وصياغتها ، كما أن الاقتداء هو الذي شكل لنا وأعطانا السيرة النبوية التي يتبعها المسلمون حتى الآن .
والقدوة الإيجابية موجودة في كل عصر ، قد تكثر وقد تقل، ولكن وجودها حتمي في هذه الحياة التي تجمع النقيضين .. الخير والشر.. !! ، وأحياناً توجد القدوة ولكنها تكون منحسرة أو مهشمة ويتساوى حينئذ وجودها وغيابها لأن مفهوم القدوة أن تؤثر في الآخرين.
وإذا نظرنا إلى عصرنا الحالي سنجد أن القدوة الإيجابية قد انحسرت وتوارث وازدهرت على الجانب الآخر القدوات السلبية التي ساهمت في فساد المجتمع الإسلامي وتقويضه، ففي الوقت الذي كان فيه الصحابة يقتدون بينهم صلى الله عليه وسلم ، وسار على نهجهم التابعون. نجد اليوم شبابنا يقتدون بمايكل جاكسون وجون ترافولتا وغيرهم ، وضروب شتى من الممثلين ولاعبي الكرة، وغيرهم من النماذج السيئة، وهي أبعد ما تكون عن القدوة الإيجابية الصحيحة. قال صلوات الله وسلامه عليه (من تشبه بقومٍ فهو منهم، ومن أحب قوماً فهو معهم).
بالطبع لا ألوم المسلمين فقط ، ولكني ألوم بالدرجة الأولى وأعنف أجهزة الإعلام الإسلامية التي جعلت من هذه الأنماط نماذج يقتدي بها أبناء المسلمين ، لقد ساهم الإعلام في الدول الإسلامية إسهاماً كبيراً في إفساد أجيال كاملة من الشباب بتسليطه الضوء على الفنانين والفنانات والراقصين والراقصات والتافهين والتافهات، والاحتفاء بهم وتهميش غيرهم ممن يصلحون أن يكونوا قدوات إيجابية للأجيال، كذلك ساهمت الصحافة بدورها في هذا الإفساد والتخريب بنفس الأسلوب، وهو تضخيم وتجميد القدوات السيئة، وطمس وتهميش القدوات المشَّرفة ، فكانت النتيجة مؤلمة يمكن أن نتلمسها بالنظر إلى الأجيال الجديدة، وتلمس مدى التشويه الفكري والسلوكي الذي أصابهم من جراء ذلك .
منذ بداية عملي الصحفي وأنا أحلم بتحطيم هذه الظاهرة الأزلية وهي ظاهرة احتكار النجومية ، فالنجومية ليست حكراً على مجال معين دون غيره، وإنما هو حق مشاع لكل ناجح في أي من المجالات، فالأديب الناجح نجم يجب أن يُقتدي به ، ورجل الأعمال الناجح كذلك ، والإنسان العادي البسيط.. ولكنها الصحافة العربية – سامحها الله – حصرت النجومية دائماً في مجالات محددة.
والسؤال الذي يبرز الآن :
إلى متى سيظل لاعب الكرة والممثل وغيرهما يحتلان الصدارة في إعلام الدول الإسلامية ، وأين مكان الداعية والأديب والعالم والصحافي والمخترع والطبيب .. وغيرهم من القدوات المشرفة التي يجب أن يقتدي بها شبابنا ، ومتى تعود القدوة المشرفة لتحتل مكانها الطبيعي في التلفاز والجريدة والكتاب ودور العلم وغيرها من الأماكن والجهات .