في الفيلم الكارتوني الشهير"الأسد الملك ـ عهد سمبا" كان ابن "سمبا" الأسد الصغير يلعب في المراعي الخضراء، ورغم تحذيرات أبوه الأسد بعدم الذهاب إلى "الأرض الملعونة" أغراه حب الاستطلاع للذهاب إلى هناك فوقع في مأذق.
فشلت نظرية هتلر التي كانت تؤمن بتفوق العنصر الألماني، ووجود عرقيات ضعيفة وخبيثة لا تستحق الحياة، يجب التخلص منها، وهي النظرية التي دفعته ـ كما يقال ـ إلى تنظيم حملات إبادة اليهود.
في نفس الاتجاه فإن نظرية الحجر الاجتماعي للقتلة والمجرمين والأشرار والتي طرحت من الصعب تطبيقها على أرض الواقع، خاصة مع تنامي دعوات الالتزام بحقوق الإنسان، هذه الدعوات التي جعلت المجتمع يتقبل المريض بمرض مستعصي مثل الإيدز ، بعد أن كان مريض الإيدز منذ سنوات يتم عزلة في مستشفى الحميات، .. نفس الأمر كان يحدث مع المرضى بأمراض معدية، وإلى عهد قريب كان يتم عزل المرضى بأنفلونزا الخنازير، وفحص جميع المخالطين لهم، للتأكد من عدم إصابتهم بالمرض عن طريق العدوى.
قبل الثورة المصرية كانت هناك عقوبة يلجأ إليها الاستعمار، وهي عقوبة النفي، وكانت هذه العقوبة توقع بحق من يعتقد أنهم خطر على أمن البلاد، وقد تعرض لهذه العقوبة عدد من الوطنيين والشعراء والسياسيين منهم سعد زغلول ومحمود سامي البارودي وغيرهما.
ومع أن عقوبة النفي هنا كانت عقوبة غير شرعية، لأنها صدرت من مستعمر تجاه ابن الوطن، الذي يكافح ويقاوم من أجل الاستقلال، إلا أننا لا نجد مفرا من إثبات هذه العقوبة ضمن الإجراءات التي كانت تتخذ لعقاب المارقين والجانحين والأشرار في المجتمع.
هناك تعبير شرطي أو أمني تستخدمه بعض الدول اسمه "التطهير"، وهو يستخدم ضد الإرهاب وتجارة المخدرات، وفيه يتم تصفية الإرهابيين وتجار المخدرات، والتصفية هنا تعني القتل، ورغم أن هذا الفعل يتنافى مع القوانين والأعراف التي تمنع تصفية شخص دون محاكمته محاكمة عادلة، إلا أن"التطهير" ـ شئنا أم أبينا ـ موجود كوسيلة للتخلص ممن يعتقد أنهم خطر على المجتمع ، حتى لو كان هذا التصرف خاطئا.
ماذا نفعل تجاه الفئة المجرمة التي انحرفت وأصبحت تهدد أمن المجتمع؟ ، هل ننفيها أم نسجنها، أم نصفيها جسديا و"نرتاح"، هل نسجنها سجنا أبديا دون محاكمة كما تفعل بعض الدول، م نمارس عليها الحجر الاجتماعي ، ونعزلها عزلا كاملا كما يعزل المريض؟. الأرض الملعونة فكرة فانتازية يمكن تطبيقها تجاه هؤلاء الأشرار، وهي فكرة تتواءم مع فكرة النفي والعزل القديمة.
الواقع يؤكد أن فئة كبيرة من المجرمين يتم القبض عليها ، وتقضي عقوبتها ثم تخرج لإكمال مسلسل الإجرام من جديد، لقد أصبح الإجرام يسري في دمائهم مسرى الدم، خاصة مع وجود المجتمع الطارد الذي يرفض المساجين السابقين، وتقاليد لا ترحم، ولا تغفر للمسجون أبدا ماضيه، حتى لو تاب، وأدى الحج والعمرة.
كانت القبيلة في الماضي تطرد من يخرج على قوانينها، وسمى هؤلاء بـ "الصعاليك"، وقد أفرزت هذه الحالة بما تتضمن من قسوة شخصيات أدبية وشعرية، حيث تسببت عملية الطرد هذه في التقويم، فبرز الشعراء الصعاليك الذين يترجمون تجربة الاغتراب والنفي بالشعر الجميل.
وفي بعض الدول العربية توقع عقوبة النفي على القاتل في بعض الأحيان ، حيث يصر أولياء الدم على أن يتضمن عفوهم عن القاتل تقديم مبلغ مالي كبير، إضافة إلى النفي من المنطقة التي يعيش بها أسرة المجني عليه لمدة معينة قد تكون عددا من السنوات وقد تكون طوال العمر.
في القرى المصرية قديما، كان المواطنون يعاقبون اللص على طريقتهم الخاصة، حيث يتم إركابه حمارا بالمقلوب، ويقوم الأطفال بزفه في شواراع القرية مصحوبا بعبارات الزجر والسب، كان ذلك نوع من الزجر الشعبي للخارجين على النجتمع.
والإسلام نفسه أقر عقوبة النفي كأحد طرق عقاب المذنبين، قال تعالى "إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض، ذلك لهم خزي في الدنيا، ولهم في الآخرة عذاب أليم".
كانت أمهاتنا في الماضي عندما نفعل شيئا مخالفا يهددوننا بوضعنا في "غرفة الفئران"، وكان هذا التعبير لوحده كفيلا بإدخال الرعب في قلوبنا، فكيف للطفل أن يتصور أن يحبس في غرفة مظلمة مع الفئران ..؟.
في "الأرض الملعونة" التي جسدها فيلم الأنيميشن "الأسد الملك" كانت توجد الصحراء الجرداء، والحيوانات المتوحشة، وهياكل الحيوانات العظمية، وأصوات مخيفة، وكانت ـ حسب سيناريو الفيلم ـ الأرض التي يتم نفي الصعاليك والمذنبين والخارجين على قانون الغابة.
الأرض الملعونة فكرة يمكن أن تحديثها لتكون طريقة جديدة للتعامل مع فئة المذنبين، التي تمكّن منها الشر، فأصبحت تستعصي على أي توجيه أو علاج، .. فكرة تتضمن مزيجا من النفي والعزل والإزدراء والردع والخزي الذي نوهت إليه الآية الكريمة، فالنفي يحقق إبعاد هذه الفئة عن باقي المجتمع، مما يحفظ المجتمع، ويقي الناس شرورها، والعزل أيضا عقاب نفسي رادع للمجرم نفسه، والذي سيشعر أنه مرفوض ومنبوذ وملعون من كل فئات المجتمع ، من ناحية أخرى فإن الإزدراء وحده عقاب آخر، ورسالة من المجتمع ككل تعنى رفض التوجه الذي قام به المجرم، وأن هذا سيكون مصير الذي يخرج على قوانين والأعراف والأخلاق والمباديء.
الأرض الملعونة فكرة يمكن تحديثها وتحقيقها، بعزل المجرمين، والقتلة، والمغتصبين والمتحرشين، واللصوص، والجانحين، والإرهابيين، والخارجين عن المباديء والأخلاق والقانون، وذلك بإنشاء مجتمعات خارجية خاصة تشبه السجون المفتوحة.
هذه الفكرة ستساعدنا على تأسيس المدينة الفاضلة، مدينة بلا مجرمين، وهي فكرة خيالية طالما حلمنا بها، وآن لها أن تتحقق بفرض قانون الجماعة ، وأهم مبادئه قبول الجيد وطرد الرديء.
الأرض الملعونة التي سيعيش فيها المذنبون ستكون هناك في الصحراء، بعيدا عن مظاهر الحياة والناس والعمل، والمجتمع السليم الآمن، سيكون فيها فقط الصحراء الجرداء، والهياكل العظمية، والأصوات المخيفة، واللعنات.