اليوم : 29/4/2010 ، المكان : قرية كترمايا، قضاء الشوف ـ جبل لبنان، الحدث: مئات من اللبنانيين يقتلون مشتبها به مصريا، ويمثلون بجثته تحت نظر الشرطة اللبنانية، وأضواء فلاشات كاميرات الجوال، وزغاريد القرويات اللبنانيات، وصيحات الرجال "الله أكبر"، وعبارات التشفي واللذة.
النظرية: نظرية جديدة توصل إليها العلماء، تنسف نظريات علم الاجتماع، وتؤكد حقيقة طالما حاول العلماء إخفائها، وهي أن الإنسان أصله ذئب.
تسجيل: شهد التاريخ على مر عصوره العديد من المذابح والاقتتال العرقي، وعمليات القتل والتدمير واعتداء الإنسان على أخيه الإنسان، ولكن حادثة قرية "كترمايا" اللبنانية ستظل أبشع جريمة إنسانية في القرن الواحد والعشرين.
فلاش باك: بلغ عدد ضحايا الحرب الأهلية في لبنان حتى 9 ـ 3 ـ 1992 : 144,240 قتيل، و197,506 جريح. إلى جانب 17,415 مفقود.
وفاة أمة: الله الله هوه الدايم ولادايم غير الله، الله الله هوه الدايم ولادايم غير الله.. الميت مات ، مات ولا لسه ، مات من زمان، تعالوا نشيلوه، 8 منكم، و 8 منا.
الله أكبر: المجرمون في كترمايا كانوا وهم يقتلون الضحية يهتفون "الله أكبر" ، والإرهابيون الذين يخطفون رجلا وقبل أن يقطعوا رأسه بالسكين يهتفون "الله أكبر" ..! ، ياإلهي .. كم من الجرائم ترتكب باسمك.
نشيج: صوت عبدالحليم : أحلف بسماها وبترابها، أحلف بدروبها وأنوارها .. أحلف بالقمح وبالمصنع، أحلف بالمدنة وبالمدفع، بولادة أيامي الجاية .. ما تغيب الشمس العربية، طول ما أنا عايش فوق الدنيا".
قال جدي : "من لم يمت بالغدر مات بغيره"، .. و "لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين"، ولكن الواقع يابني أن المصريين يلدغون من ذات الجرح عشرات المرات".
الحالة: اكتشف عدد من أفراد قوات الأمن الداخلي دماءا تلطخ العلم اللبناني، فأوصلوا الأمر لقائدهم، فأمر بإنزال العلم، وكلما أنزل الجنود العلم وغسلوه ، وأعادوا رفعه انبثقت الدماء على القماش الأبيض من جديد ..
اللعنة: فيروز أصابتها وعكة صحية، طلب الطبيب أشعة عاجلة، حدق الطبيب باهتمام في الأشعة ، وقال أن هناك خنجرا اخترق حنجرة الست، والقرية الملعونة استيقظت في اليوم التالي فاكتشف جميع سكانهم نساء ورجالا أن كل منهم ظهر له ذيل طويل يتحرك في الهواء.
دماء: الرئيس اللبناني ميشيل سليمان ذهب هذا الصباح لأخذ حمامه، وعندما بدأ يغسل يديه، أغرق اللون الأحمر حوض الغسيل، وكلما فرك يديه مذعورا زاد اللون الأحمر، حتى أصبحت يديه حمراء "كالدم" ..، ركض بالبيجامة لينظر من النافذة، فوجد اللون الأحمر على أشجار الأرز والمباني والجبل من بعيد.
بيان: المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية المصرية حسام زكي يعلق على القضية ويصرح بأنه لا داعي لتضخيم الأمور، .. يتوقف ليأخذ نفسا، يضع يده في جيبه، فيشعر أنها ابتلت، يخرجها فيجدها مبللة بالدم.
المقال:
الإنسان كائن عاقل، والعقل هو الذي ميزه عن الكائنات الأخرى مثل الحيوانات والحشرات، ورغم وجود كائنات أخرى تفوقه قوة، تمكن الإنسان من حكم الأرض، وكان "العقل" هو الميزة التي حققت له ذلك، ومع وجود خاصيتي الخير والشر، إلا أن الله رجح دائما كفة العقل، من هنا عاش الإنسان وتكاثر، وكانت له السيطرة على كوكب الأرض.
ولكن ماذا لو تراجع العقل، .. النتيجة الطبيعية هي تقدم الشر، وبالتالي سيخسر الإنسان الميزة الوحيدة التي بررت بقاءه وسيطرته، وسيصبح عندها مثل حيوانات الغاب، تتصارع للحصول على طعامها اليومي، وبمرور السنوات سينقرض الإنسان كما انقرضت حيوانات أخرى كالديناصورات وحيوان الماموث.
برزت أمامي هذه النظرية عندما شاهدت صورة الشاب المصري محمد مسلم الذي قام عدة مئات من اللبنانيين بقتله وسحله والتمثيل بجثته، وتعليقها على أحد عواميد الإنارة، بين زغاريد النسوة، وصيحات التشفي والتشجيع، بعد اتهامه بقتل 4 مواطنين لبنانيين، وتذكرت الأحداث المثيلة التي حدثت في بقاع عدة في العالم، مثل سيراليون، ورواندا وسربرنتشا والعراق وأفغانستان، تذكرت المذابح الفظيعة التي يذخر بها تاريخنا العربي من مذبحة المماليك ومرورا بمذابح صبرا وشاتيلا، وقانا، وسجن أبو غريب، واغتيال الحريري، وإعدام صدام، ورغم الفظائع التي شهدتها بقاع عديدة في العالم، فإن الصدمة كانت كبيرة.
كانت الصدمة في المقام الأول ناتجة من كون الضحية إنسانا، ليس حيوانا أوقعته بندقية صياد، أو دجاجة ذبحتها سكين فرارجي، هو إنسان من لحم ودم وروح، فكيف تمكن الشر من هؤلاء المجرمين ليفعلوا فعلتهم بدم بارد، ويتلذذون بأخذ اللقطات بأجهزة الجوال، ويتفاخرون بعرضها على أصدقائهم وزوجاتهم؟.
العامل الثاني للصدمة أن هذه الجريمة القذرة تمت بأيدي إسلامية عربية لبنانية، وسواء كان الفاعلون سنة أم شيعة، فهم في النهاية مسلمون، وهم في النهاية عرب، وانظروا معي إلى حجم الضرر الذي أحدثته هذه المجزرة، وحجم التشويه الذي أصاب صورة المسلم والعربي، في عالم مازال يصور المسلمين على أنهم مجموعة من الإرهابيين، ويصور العرب على أنهم مجموعة من الهمج يركضون وراء الجنس والملذات، ويرسمون رسوما كاريكاتورية تصور نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم بعمامة على هيئة قنبلة.
الفصل الثالث من دفتر الصدمة، كان عجز الشرطة اللبنانية عن منع الجريمة، فقد كان بالإمكان تفريق هذه الذئاب الجائعة بطلقة في الهواء، لقد عجزت الدولة اللبنانية عن حماية مجرد متهم ، فكيف تحمى أبناءها، ومؤسساتها، وحدودها من الأعداء، أكد لي صديق لبناني أنه في إحدى السنوات فوجأ الرئيس اللبناني إلياس سركيس برجل يطرق باب قصره الجمهوري، وعندما خرج ليقابله فوجأ بالرجل يقول له "أنا أرئيل شارون قائد جيش الدفاع الإسرائيلي"، وتأكد مسلسل العجز فيما بعد عندما فشلت الحكومة اللبنانية في القبض على أسماء عشرة من القتلة، أكد وزير العدل اللبناني أنه يملك أسماءهم.
"المتهم بريء حتى تثبت إدانته"، حقيقة قانونية يعلمها تلامذة الحقوق في سنواتهم الأولى، لذلك لن أناقش القضية المشتبه الضحية في ارتكابها، لأن الضحية في رأيي حتى هذه اللحظة بريء لم يحاكم، ولم يعترف، ولم يثبت أي قضاء إدانته. حتى لو كان قد ارتكب الجريمة بالفعل، فإن للعدالة مقتضياتها، ولا يمكن اعتباره مذنبا إلا بعد صدور حكم قضائي نهائي بذلك. لذلك فإن أهالي قرية كترمايا قتلوا بريئا، ومثلوا ببريء، والدولة اللبنانية تواطأت لقتل هذا البريء، ودعت القتلة لحفل عشاء، تماما كما دعى قائد الجيش اللبناني على الحدود فرقة عسكرية إسرائيلية لشرب الشاي.
حرم الإسلام التمثيل بالجثث، حتى لو كانت جثث الأعداء، لأن للميت كرامته، وقد نهى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم نهى عن التمثيل بالجثث، حتى بـ "جثة الكلب العقور" في قوله (إياكم والتمثيل بالجثة، حتى وإن كان الكلب العقور).
"الجريمة لاوطن لها"، وفي كل مجتمع هناك القتلة والمجرمون والمغتصبون والشواذ ومحترفو الدعارة، حتى في أكثر المجتمعات تحفظا يوجد المجرم، وهذه حكمه إلهية للخالق الذي أنشأ الإنسان من خير وشر، ولكن بعض الناس يتصورون أنهم احتكروا الشرف، والنزاهة والوداعة والحكمة والشفافية، ويعتقدون أنهم ينتمون إلى المدن الفاضلة ، .. لذلك لن نقع في فخ التعميم، ولن نوصم الشعب اللبناني كله. خاصة وأن الكثير من اللبنانيين نددوا بالجريمة، وبعضهم يشعر بالعار.
التعميم هواية عربية، فالعرب دائما ما يعممون الجريمة، فإذا ظهر مجرم مصري اعتبروا المصريين جميعا مجرمين، ونظروا بتشفي، وكتبوا بتشفي، وإذا ظهر مجرم أماراتي نظروا بنفس التشفي، وكتبوا بنفس التشفي.
نحن لا نحمي المجرمين، ولكن للعدالة مقتضياتها، ومن أهم هذا المقتضيات وجود تحقيق عادل، ومنح المتهم الفرصة في الدفاع عن نفسه، وعند الحكم عليه، للمتهم أن يلجأ إلى الاستئناف، ولا يعد المتهم مذنبا إلا بصدور حكم نهائي من المحكمة المختصة.
أما في هذه الجريمة فلم يعترف المتهم، ولم يكن تحليل الـ "دي إن إيه"ـ إذا افترضنا مصداقيته ـ قد ظهر، ولم يحاكم المتهم، وإذا نقص عنصر من كل ذلك أصبحت العدالة عوراء لا ترى إلا بعين واحدة. أما حكاية "السكين" الذي وجدوه في منزل المتهم، فلا أعتقد أنه مازال هناك مجرم غبي يحتفظ بأداة الجريمة في منزله، إلا إذا كان يحتفظ بها للذكرى، من أدبيات التزوير الساذجة وضع أداة الجريمة في منزل المتهم.
هذه جريمة القرن لما أفرزته من بشاعة وظلم وهمجية وإجرام "جريمة القرن" ..، لقد أثبتت هذه الجريمة مدى الانحراف الذي أصاب الإنسان، وكيف تراجع العقل، وكيف يمكن للإنسان المتحضر الأنيق أن يتحول إلى ذئب، وكيف للصديق أن يتحول في لحظة إلى خائن، وكيف تتحول الدساتير إلى ورق تواليت. وكيف يصافحك العربي، ويحضنك ثم يغرس الخنجر في خاصرتك.
أثبتت هذه الجريمة القذرة هشاشة الدولة اللبنانية، بعد سنوات الهدم والتدمير والحروب الأهلية. لقد أكدت الجريمة أن الوردة ماهي إلا ثعبانا، والفراشة قنبلة مفخخة، والمناضل الكبير لص، والسياسي قواد، والفدائي خائن لوطنه.
جسدت جريمة الصلب الخسة والوضاعة والدعارة والقذارة، والنتانة، والشماتة، والجبن، والخيانة، وأعادتنا للعصر الحجري عندما كان طرزان يطارد الحيوانات في الغابة، وأظهرتنا أمام العالم مجموعة من الرعاع الذين لا يستحقون الشرف والحرية والكرامة، لقد كشفت هذه الجريمة أن الإنسان أصله ذئب، وأن الحضارة وهم، والتاريخ كاذب، والديمقراطية شرف لا نستحقه.
نزيف :
(إن قضاءنا العربي أن يغتالنا عربٌ.. ويأكل لحمنا عربٌ.. ويبقُر بطننا عربٌ.. ويفتح قبرنا عربٌ.. فكيف نفرّ من هذا القضاء؟) شعر: نزار قباني