ما هي المواصفات التي تطلبها المرأة في الرجل؟، وفي المقابل ما هي المواصفات التي يطلبها الرجل في المرأة؟، المتابع لاشتراطات الشباب في فتاة الأحلام، والعكس اشتراطات الفتيات في فتى الأحلام سيلاحظ أنها في الغالب تجنح إلى المثالية، فكل طرف يضع أحلامه التي تكون في كثير من الأحيان بعيدة عن الواقع.
ولكن سنلاحظ أيضا تغيرات تتطرأ على هذه المواصفات من جيل لجيل ومن مرحلة لأخرى، .. لم تعد معادلة "شقة وعروسة يارب" التي جسدها فيلم سينمائي هي مطلب الشباب، ولم يعد فارس الأحلام الذي يأتى على فرس أبيض هو نموذج أحلام الفتيات.
تغيرت الأوضاع كثيرا ، وظهرت لنا اشتراطات وأمزجة غريبة جدا، فلم يعد غريبا أن نجد فتاة تشترط في من يتقدم إليها أن يكون خفيف الدم، ابن نكتة وفقا للتعبير الشعبي، قادرا على إضحاكها، وحبذا لو كان يجيد تقليد الفنانين، أيضا ليس غريبا أن يحلم أحد الشباب أن يتزوج راقصة، ويؤكد أنه سيجعلها تتوب، المهم أن تكون راقصة.. أمزجة غريبة، واشتراطات مضحكة تؤكد أن هناك خلل.
من الطبيعي أن تتغير مواصفات فارس الأحلام وفقا للعصر والبيئة والثقافة والحالة الاجتماعية، فمثلا اشتراطات الفتاة التي تعيش في حي الزمالك ستختلف عن اشتراطات الفتاة التي تعيش في البساتين، واشتراطات الفتاة العشرينية التي في ريعان شبابها تختلف عن الفتاة الثلاثينية التي أوشك قطار الزواج على الإفلات منها، كذا اشتراطات المتدين تختلف عن اشتراطات المنفتح.
ففتاة الزمالك مثلا ستشترط فيلا في المهندسين، لتكون بجوار أمها، وفتاة البساتين ستشترط شقة غرفتين وصالة في نفس الحي لتكون بجوار عملها في الوحدة الصحية، أما العشرينية ستتدلل وتطلب شقة أحدث موديل وسيارة، أما الثلاثينية فلا مانع لديها من الإقامة في بيت حماتها، كما أن الملتزم سيشترط ـ حسب درجة تدينه ـ فتاة محجبة أو مخمرة أو منقبة، في حين سيطلب المنفتح فتاة عصرية ترقص الديسكو.
ورغم التباين في شروط الزواج، كان الحب شرطا أساسيا يضعه غالبية الشباب للاقتران ببنت الحلال، سمه ما شئت .. حبا أو ميلا قلبيا ، المهم أن يكون للمشاعر دور في الاختيار، وكانت الجامعات مفرخة المشاعر العاطفية التقليدية التي كانت تنتهي غالبا بعد التخرج بالزيارات العائلية والخطوبة والزغاريد.
تتحكم الظروف الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في اختيارات الشاب أو الفتاة، وفي بعض الأحيان تضغط هذه الظروف لتقلص الخيارات، ولا يكون أمام الشاب أو الفتاة سوى خيار وحيد، وقد تضغط أكثر ليتلاشى أمام المرء الخيار من أساسه، عندها سيرضى بأي شيء.
وقد رصدت الأغنية العربية ملامح من هذا التطور الذي يكون أحيانا تغيرا إلى النقيض، ففي الماضي كانت ليلى نظمي تغني " يا الفيديو في الجهاز يا نأجل الجواز"، أما اليوم تغني منى أمارشا "يا أمه حبيته .. قلبي تعلق فيه .. زفوني لبيته"، ففضلا عن التطور الذي وضع الفيديو على الرف، وظهور أنماط أخرى من التكنولوجيا مثل السي دي والإم بي ثري والآي باد وغيرها من الوسائل الحديثة، فإن عروس الماضي كانت مستعدة لـ فركشة" الزواج بسبب عدم وجود الفيديو، أما عروس اليوم فتطلب أن تزف إلى حبيبها فورا.. هكذا بدون أي شرط فقط لأنها أحبته.
كان الفيديو في الستينيات والسبعينات أهمية كبيرة، ومطلبا رئيسيا للفتيات المقبلات على الزواج، حتى أن إحدى الفتيات رفضت عريسا تقدم لها لسبب غريب جدا .. ، وهو أنه يطلق على "الفيديو".. " فيتيو"!.
مرت اشتراطات الشباب من الجنسين بمراحل مختلفة، ففي مرحلة الانفتاح الاقتصادي، كانت المادة هي المعيار الأساسي في عمليات الزواج، وكان الشرط الوحيد للفتاة أي فتاة أن يكون العريس مقتدرا ماديا، قادرا على إحضار شقة مليئة بالكماليات، وظهرت في هذه المرحلة مصطلحات شعبية تقنن هذا المفهوم مثل "الرجل لا يعيبه إلا جيبه"، وشهدت هذه المرحلة صراعا بين المال والقيمة، وكان الانتصار دائما للمال، فشهدنا زواجات تتم بين طبيبة وسائق، ومهندسة وبائع.
وهذا النموذج جسده فيلم "انتبهوا أيها السادة" بطولة محمود ياسين الذي كان يلعب دور "زبال"، وحسين فهمي الذي كان يؤدي دور أستاذ الجامعة. ودار الفيلم حول الصراع بين القيمة والمال، وانتهى الفيلم للأسف بانتصار المال عندما تزوج الزبال من الطبيبة المرموقة التي فضلت المال والعيشة الرغدة على أستاذ الجامعة الذي لا يملك إلا راتبه.
ولكن مع الانحسار الاقتصادي تغير هذا الوضع، ودفعت الضغوط الاقتصادية الخانقة المجتمع للتخفيف من غلوائه، وحرصا من العائلات على تستير البنات ظهر مفهوم المشاركة في الزواجات، حيث يتشارك العائلتان في تكاليف الزواج من شقة وأثاث وأدوات كهربائية.
ولكن مع تفاقم ظاهرة الاغتراب التي عانى منها المصريون من السبعينيات والمستمرة حتى الآن والتي تمثلت في هجرة الملايين من الشباب للعمل خارج الوطن، انهارت الشروط الزواجية، وظهر زواج "التيك اواي" الذي يتم بسرعة، وأصبح كثير من الزيجات تتم في أسبوع وهي فترة أجازة المغترب، ورأينا زيجات أسرع تتم عبر الإنترنت والفيسبوك".
وتغير الشعار القديم الذي كان يرفعه الشباب "شقة وعروسة يارب" ليصبح "زوجة بحقيبتها يارب". وانهارت الاشتراطات المغلظة التي يضعها الطرفان تحت وطأة الاغتراب والسفر والركض المحموم وراء لقمة العيش.
مات "فارس الأحلام" الذي كانت تحلم به الفتاة العربية، وتلاشى " الحب" الذي كان الشباب يضعه كشرط أساسي للاقتران وتكوين أسرة، وأصبح الزواج كالوجبات السريعة لذيذة وشهية وسهلة، ولكنها غير صحية.