لماذا يتهم العديد من الناشطين والسياسيين والبارزين بتهم أخلاقية، لماذا اتهم رئيس بنما السابق نورييجا بتجارة المخدرات وغسيل الأموال والابتزاز، واتهم زعيم المعارضة السابق في ماليزيا أنور إبراهيم بالشذوذ، واتهم المعارض المصري أيمن نور بالتزوير، واتهم رجل الأعمال الروسي ميخائيل خودورفسكي بالتهرب الضريبي وتهريب النفط، واتهم مؤسس موقع ويكيليكس جوليان آسانغ بالاغتصاب، ولماذا بالتحديد التهمة الأخلاقية تلاحق هؤلاء الذين قرروا أن يقفوا ضد التيار، ويحاولون أن يغيروا أوطانهم، ويبعثوا فيها أملا جديدا نحو حياة أفضل؟.
وإذا أجملنا التهم التي توجه عادة للنشطاء والسياسيين في العالم سنجدها تتراوح بين الخيانة، ومحاولة قلب نظام الحكم، ونشر الإشاعات المغرضة وإثارة البلبلة، والمس بالروح الوطنية، وتجارة وحيازة المخدرات، والابتزاز، وغسيل الأموال، والاغتصاب، والشذوذ، والعيب في الذات الملكية، والفضائح الجنسية.
بالطبع لا ننفي إمكانية تورط الإنسان .. أي إنسان في جريمة، ومنها الجريمة الأخلاقية، ولا ننفي ارتكاب هؤلاء للجرائم التي التصقت بهم، أو نثبتها، فكل شيء جائز ، والإنسان يتكون من خير وشر، ولا يوجد أحد معصوم من الخطأ، ولكن من حقنا أن نتساءل : لماذا دائما كانت الجريمة الأخلاقية قاسما مشتركا لدى الكثير من هؤلاء الناشطين الذي واجهوا جميعا السلطة السياسية، ووقفوا ـ سواء أكانوا على صواب أو خطأ ـ ضد التيار؟.
ولماذا تجمعت هذه التشكيلة من الجرائم المخزية والمخلة بالشرف، كالتزوير والشذوذ والاغتصاب وتجارة المخدرات، والتي تكفي واحدة منها لتشويه سمعة أي شخص وتدمير مستقبله ليس فقط السياسي بل الاجتماعي أيضا. ولماذا ليس من بين هذه الجرائم السرقة مثلا أو الاختلاس؟، ولماذا تظهر هذه التهم فقط بعد أن ينشطوا؟.
تتخذ الفضيحة بعدا خاصا تبعا للشخص موضوع الفضيحة، فمن كان مجهولا لا يلتفت إليه الناس، ويمرون على الواقعة مرور الكرام، أما إذا كان صاحب الفضيحة مشهورا ، فذلك أدعى للفحص والتمحيص والفضول وحب الاستطلاع.
وفضائح المشاهير كثيرة، وعلى مر التاريخ تابعنا فضائح مدوية كان أبطالها فنانات وفتيات إعلان وعارضات أزياء ولاعبي كرة، ورجال أعمال، وتتعدد الفضائح، وإن كانت تتركز على هذا الجانب الأخلاقي الغريب.
كان الناس يتابعون الفضيحة وأخبارها وتطوراتها والسبب شهرة الشخص موضوع الفضيحة، وفي الغرب واكب البعض هذا الشغف بالفضائح، وقدموا مطبوعات خاصة بالفضائح تنشر فضائح الفنانين والمشاهير وزلاّتهم المصورة والمرئية والمسموعة.
مقطع يصور نائبا يلعب القمار، فضيحة جنسية لقائد في ثورة عربية، مقطع لمعارض بارز يتحرش بسيدة، القبض على عضو في حركة معارضة بتهمة الشذوذ، فيلم فاضح لراقصة مع رجل أعمال، فيلم فاضح لعارضة أزياء عربية، القبض على فنانتين شابتين في بيت دعارة، .. فضائح من كل شكل ولون .. لفنانين وسياسيين ورجال أعمال ومدونين، بعضها ينتهي بإدانة المتهم، والبعض الآخر ينتهي بالبراءة.
ولكن مع الإقرار بإمكانية انحراف الشخص سواء أكان فنانا أو سياسيا أو مناضلا أو ثوريا ، فإن الجرائم الأخلاقية التي التصقت بهذا الكم من السياسيين والنشطاء تثير الأسئلة، وتضع أكثر من علامة الاستفهام.
السبب أن إمكانية تلفيق التهم لهؤلاء النشطاء واردة، حتى ولو كانت 1%، فهؤلاء يواجهون السلطة، والسلطة بما تملك من إمكانيات هائلة بوسعها ـ لو أرادت ـ أن تلفق ما تشاء لمعارضيها ، لإزاحة هؤلاء المعارضين من طريقها، وإظهارهم أمام الشعب في صورة مخزية مخلة بالشرف، وقد أورد التاريخ مئات الأسماء التي تعرضت لبطش السلطة وتنكيلها.
أيضا من عوامل الشك التي لا يمكن إغفالها أن هؤلاء النشطاء ينادون بمجموعة من المباديء، وهذه المباديء لو استعرضناها سنجدها تتعارض مع التهمة غير الأخلاقية التي اتهموا بها، ومع عدم استبعادنا إمكانية الخطأ ، فإن هذا الخطأ سيكون احتمالا من ضمن مجموعة من الاحتمالات ، ولن يكون الاحتمال الأساسي. لأن من ينادي بالمباديء من الصعب عليه اختراقها، ومن ينادي بالفضيلة ليس من السهل أن يسقط في الرذيلة، ورجل القانون ليس من السهل أن يخترق هذا القانون.
حتى لو كان هذا الناشط سيء الخلق، فإن بعض الذكاء سيمنعه من الخطأ، فهو يعلم أنه أولا شخصية عامة يراقب الناس زلاته وأخطاءه، ثانيا أن موقفه ضد السلطة يحتم عليه الاحتراز، وتجنب التورط في أي خطأ.
الاحتمال الضعيف وهو أن يكون هذا الناشط قد ارتكب بالفعل هذه الجريمة الأخلاقية، وهنا نتساءل ، مادام هذا الناشط قد أخطأ ، وقبض عليه، وحول إلى القضاء، وصدر حكم بحقه، ونفذ هذا الحكم، واستوفى حق المجتمع، لماذا لا يعود إلى الحياة السياسية، ويمارس دوره من جديد، المتابع لمعظم القضايا الأخلاقية الخاصة بالسياسيين والناشطين سيكتشف أنهم منعوا بعد انتهاء عقوباتهم من ممارسة العمل السياسي، وهذا يعزز بذرة الشك القديمة والاحتمال الضئيل جدا بإمكانية تلفيق هذه القضايا لهم لتدمير مستقبلهم السياسي.
فلو كانت الأنظمة بريئة لأتاحت لهم فرصة العودة من جديد، وممارسة حقهم في العمل السياسي، وتركوا الحكم للشعوب لتقول كلمتها بشأنهم، فإما أن تصدق الفضيحة المدوية، فتلفظهم ولا تصوت لهم في الانتخابات، أو تسامحهم، أو تدرك التلفيق الذي لحق بهم، وتقف معهم كما حدث في العديد من الوقائع التاريخية.
الله نفسه يقبل التوبة، ولكن الأنظمة لا تقبل التوبة، ولا تقبل عودة منافسيها للمواجهة، بعد أن نجحت في وصمهم بأبشع التهم، ـ سواء كان ذلك عن حق أو غير حق ـ وزجت بهم في السجون، وطمرت عليهم التراب.
سؤال آخر .. إذا كان النظام يمنح الحاكم والوزراء ورجال الشرطة وأعضاء مجلس النواب الحصانة التي تمنع محاكمتهم ومثولهم أمام جهات التحقيق، وذلك ضمانا لحقوقهم وحياديتهم وسلطاتهم، وحمايتهم من البطش أو التلفيق، وتضع لذلك اشتراطات مشددة، فلماذا لا يحصل الناشط السياسي والإعلامي والدبلوماسي والقاضي والكاتب والصحفي على هذا الحق؟.
لماذا نترك هؤلاء رغم عظم المهام التي يؤدونها عرضة لبطش مسؤول أو سلطة غاشمة، إن طبيعة عمل هؤلاء تضعهم في بعض الأحيان في مواجهة مع السلطة، وحتى يقومون بواجبهم بحرية، يجب أن يتمتعوا بالحصانة الكاملة التي تحميهم من البطش، والقضايا الملفقة، وقطعة حشيش تظهر فجأة في جيبه.
حصانة السياسي والصحفي والكاتب مطلب ضروري، خاصة في هذا العصر الذي يفتقد للعدل والديمقراطية وحرية الرأي، حيث يمكن للكاتب الذي قدم رأيا معارضا أن يجد نفسه فجأة بطلا لفضيحة أخلاقية. خاصة في العالم العربي الذي مازال يوجد به سجناء الرأي، وزوار الفجر والظهر والعصر والمغرب والعشاء.