منذ القدم وجسد المرأة عرضة للاستغلال، ولهذا الاستغلال أشكال عدة أولها الدعارة، حيث استغلت المرأة على مر العصور في الحب المحرم، وعلى الرغم من الرفض الديني والشعبي لهذا النوع من الاستغلال تعددت في واقعنا المعاصر أشكال استغلال المرأة، وتطورت مع تطور العصر، واتخذت مسميات عدة، فاليوم يستغل جسد المرأة في أعمال فنية هابطة تتاجر بجمالها وجسدها، وتستغل المرأة في أغان مصورة تهتم بكشف أكبر قدر ممكن من جسدها، في برامج فضائية ترتكز على الميوعة والغواية، وتستغل المرأة في إعلانات تجارية تبث على مدار الساعة تعتمد على الإغواء الجنسي لترويج سلعة أو فكرة.
ولكن على الرغم من أن هذا الاستغلال أصبح عند الكثيرين عاديا لا يلفت النظر خرجت في أوروبا دعوات لإيقاف استغلال جسد المرأة بعد أن انعكس ذلك على المجتمعات الغربية، فزادت وقائع الاغتصاب، وكثرت معدلات التفكك الأسري، وزاد العنف ضد المرأة.
السؤال الآن... متى تقف هذه الظاهرة ومتى تتجاوز نظرتنا للمرأة ''الجسد'' لتصل إلى ''العقل'' و''الروح''؟
في عام 5991 بث التلفزيون المصري إعلانا عن إحدى شركات بيع الأثاث تظهر فيه فاتنة تغمز لصديقها وهي تنظر لغرفة نوم وتقول بدلع وإغراء (محمود إيه دا يامحمود)، وأثار الإعلان احتجاجات كبيرة، وتناوله بعض الكتاب، ووصل الأمر إلى مجلس الشعب المصري عن طريق استجواب أحد النواب لوزير الإعلام، وانتقد النائب الإعلان واعتبه خروجا على الآداب العامة، فقام التلفزيون بإيقاف الإعلان، واعتذر مديره في أحد الحوارات الصحفية.
ومن الإعلانات التي أثارت ضجة عند بثها عام 2000 إعلان عن أحد مشروبات العصائر اسمه ''إيزي موزو'' الإعلان يحفل بفتيات جميلات يتمايلن في غنج ودلال، ويقمن بحركات موحية خارجة، استفز الإعلان الأسرة العربية بما يحتوي على إغراء وإغواء، وقام عدد كبير من المشاهدين بمخاطبة الشركة المعلنة، وهي شركة فرج الله وصاحبها الذي يعد أحد الشخصيات العامة، وطالبوا بوقف الإعلان الفاضح، فقام رجل الأعمال بالتجاوب مع هذه الحملة وأوقف الإعلان.
وفي الوقت الذي تثور فيه احتجاجات على إعلانات فيها إيحاءات جنسية، تبث الفضائيات العربية إعلانات تحتوي على البعد الجنسي الصريح، من هذه الإعلانات إعلان عن أحد العطور تظهر فيه فتاه تجلس على مقعد وبالقرب منها شاب نائم عار، الفتاه تقوم بتسليط ضوء كاشف على وجه الشاب النائم فيستيقظ، فيفتح الشاب عينيه، فتقف الفتاه وتتجه بطريقة إغرائية إلى الشاب النائم في السرير وينتهي الإعلان.
إعلان آخر عن أحد مزيلات العرق يصور فتاه جميلة تدخل المصعد فتجد شابا فيحرج الشاب الذي استعمل بالطبع المزيل المعجزة، ويقفل باب المصعد، وبعد لحظات تخرج المرأة وهي تعدل شعرها وهندامها، بينما الشاب منهار مما يوحي بماحدث بينهما.
إعلان آخر عن أحد مزيلات العرق، يظهر فيه رجل يتحدث عن مزايا معجون حلاقة، فيقدم سببا وسببا آخر وسببا ثالثا، وتقاطعه من الخلف فتاه عارية تمسك خصره، فينظر إليها ثم يتجه إلينا بالحديث قائلا ''4 أسباب''.
هذا كله عدا الإعلانات الفاضحة التي تذيعها بعض الفضائيات العربية والمعروفة بـ ''الإعلانات مدفوعة الأجر'' والتي تظهر فيها نساء شبه عرايا يمسحن بأيديهن على أماكن حساسة جدا بالكريم السحري الذي يروج له الإعلان، أو فتيات يرتدين المايوهات وتركز الكاميرا على تفاصيل أجسادهن لكي تثبت ما فعله الكريم الجبار في القضاء على ''السوليليت''.
ومن الإعلانات المحرجة إعلانات فوط النساء الصحية التي تجاوزت عملية توصيل المعنى إلى التجسيد الفج، ومن الإعلانات المحرمة دوليا إعلانات شامبوهات الأطفال التي يظهر فيها الأطفال الصغار عراة تماما ، ففي أحد هذه الإعلانات تداعب الأم طفلها العاري تماما، وتمسح على مؤخرته وتقبلها، ويرى القانون الدولي أنه ليس من حق الأمهات اتخاذ قرار يقضي بتصوير أبنائهن عراة، فربما يكبر الطفل أو الطفلة، ويجدون في هذه الصور إهانة وتكون مصدر إيذاء نفسي لهم.
استغلال جسد المرأة وجمالها في عملية الترويج التجاري يضر المرأة نفسها، ويقلل من قيمتها، أمام نفسها وأمام المجتمع، وربما يكون ذلك أحد أسباب العنف ضد المرأة الذي تغلغل في مجتمعاتنا العربية ، حتى أصبح شيئا عاديا.
متى نروج لعقل المرأة الذي عانى كثيرا من التجاهل والتغييب، وإلى متى نصر على اختزال المرأة في الجسد ، بينما هي مربية الأجيال، واللبنة التي يقام عليها أي مجتمع؟.