نفخر جميعا بآبائنا وأجدادنا، وما أنجزوه من قصص كفاح ونجاح، وتفخر الشعوب بتاريخها وحضارتها، حتى تلك التي تمتد إلى المدى غير المنظور منذ آلاف السنين، والتي تجسدت في آثار ومتاحف ومعالم تراثية مازالت باقية على مر الأزمان.
وتذكر الأولين صفة حميدة، فالإنسان كائن اجتماعي لا يمكن أن ينمو بمعزل عن البيئة المحيطة به من أماكن وعادات وتقاليد وأقارب وتأثيرات نفسية واجتماعية، وهذه كلها العناصر التي تكون الانتماء، والانتماء حالة وجدانية تساعد على بقاء المجتمع، وتدعم دائما تواجده واستمراره.
لا يمكن أن تحضر إنسانا، وتزرعه كالشجرة في أرض غريبة، وتطلب منه أن يفقد الذاكرة، وأن يبدأ من جديد، فلكل إنسان تاريخ وجذور ضاربة في الأرض كالنبتة التي لو جزّها الفلاح بمنجل ستموت.
لا نعترض على تذكر الأولين واستخلاص الدروس والعبر من حياتهم، وتقديمها للأجيال الجديدة التي تنزع دائما للتباهي وتبحث عن قدوة، بشرط ان لا يكون ذلك بابا للنرجسية والخيلاء والغرور، وما نرفضه هو أن نستند جميعا على تاريخ الأجداد، ونتوقف عن العمل، ولا نقدم نحن شيئا.
انشغلنا بالفخر بالأنساب والقبائل والأخوال والأعمام، وتهنا في أحجية الحسب والنسب، وأضعنا أوقاتا ثمينة في البحث عن الأصل والفصل ، ومنذ العصر الجاهلي الفخر بالأنساب غرض شعري مهم، والبكاء على الأطلال عادة شعرية واجتماعية، وفي الوقت الذي يسافر يتفوق الآخرون في العلم والتكنولوجيا، نقف نحن عند مجد القبيلة، نلوك الحكايات المنسية، ويؤرق مضجعنا عدم تكافؤ النسب.
عن أبي مالك الأشعري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركهن : الفخر بالأنساب والطعن في الأنساب والاستسقاء بالنجوم والنياحة".
يجب أن لا يصرفنا الاعتزاز بالأولين عن التفكير والعمل، وأن نعلم أولادنا أن قيمة المرء بهذا العصر في عمله وعلمه واجتهاده، وليس تاريخه، يجب أن نتوقف عن أداء الأدوار الثانوية، وندرك أنه حان الوقت لنقوم بدور البطولة، ونقدم تاريخنا نحن.