تلجأ أجهزة الشرطة إلى تصنيف المجرمين إلى تصنيفات عدة ليسهل التعامل معهم، من هذه التصنيفات "مسجل خطر"، والمسجل الخطر صاحب سجل في الإجرام وقائمة من السوابق الإجرامية، وهو يصنف ضمن معتادي الإجرام، أي بالمعنى الدارج "مفقود فيه الأمل"، يتم القبض عليه، ويصدر بحقه الحكم القضائي، ويقضي عقوبته، ليخرج من السجن أكثر شراسة، ليمارس عمله غير المشروع من جديد. بمعنى آخر الإجرام في دمه، يخرج من السجن، ويعود له ثانية في اليوم التالي بعد القبض عليه في قضية جديدة.
ولكن مع خطورة هذا النوع من المجرمين، فإن هناك مجرمون أشد خطرا على المجتمع لم يتصدى أحد لتعريفهم وتصنيفهم والتحذير منهم، الكثير ممن يرتدون القمصان الحديثة والبدل الإسموكنج والبشوت الغالية يجب تصنيفهم وتسجيلهم كمسجلي خطر.
إذا كان المجرم المعروف مسجل لدى مراكز الشرطة، فإذا وقع حادث يقوم ضابط الشرطة باستدعاء المسجلين لديه لإجراء عرض قانوني على الضحية، فإن هناك الكثير من المجرمين المستترين الذين يتجولون في الشوارع، ويجلسون على المقاعد الوثيرة ولا يعرفهم أحد.
العدالة لا تصل إلا لربع المجرمين، بينما ثلاثة أرباع المجرمين طلقاء، يتمتعون بحصانة غير شرعية منحها لهم المجتمع. الموظف الذي لا يقدم الخدمة إلا بتلقي رشوة يجب أن يسجل كمسجل خطر، الأب الذي يمارس العنف الاجتماعي على أسرته يجب أن يسجل كمسجل خطر، والحاكم الذي يصادر أحلام شعبه ويحرمه من حقوقه يجب أن يكون مسجلا خطرا.
الكثير من الجرائم تتم بمعرفة المجتمع وبمباركته، وذلك تحت مسميات ومرجعيات ما أنزل الله بها من سلطان، كالاعتياد والعادات والتقاليد والتفسير الشخصي الخاطيء للدين، هناك جرائم خطيرة تحدث في المجتمع، ولكنها تخضع للتخفيف والتهوين فتوصف على ألسنة العامة بـ "النزوة" والشقاوة" أو "البقشيش"، أو "غلطة الشاطر"، أو "ذلة لسان"، وغيرها من المسميات التي تحول الجريمة متكاملة الأركان إلى مداعبة سخيفة، ومع مرور الوقت يستأنس المجتمع الجريمة ويعتاش ويتكيف معها.
الكثير من الضحايا يقعون كل ثانية، ولكن معتادو الإجرام لا يصل إليهم القانون، ولا يدرجون في قائمة مسجلي الخطر.
في أمريكا بلد الكفر والضلال كما يصورها البعض قوانين صارمة تمنع العنف الأسري والاجتماعي، والزوج الذي يعتدي بالضرب على زوجته يتم القبض عليه بمجرد مكالمة هاتفية من الزوجة للشرطة، ويمكن للشرطة أن تودع الزوج في السجن، وبعد قضاء العقوبة الرادعة ، يمنع الزوج من الاقتراب من مكان سكن الزوجة.
هكذا يفعل المجتمع الغربي في مواجهة أهون حالات العنف، أما في المجتمع العربي فيبرر العنف تحت مسميات كثيرة، لذلك أصبح العنف الاجتماعي أشهر الجرائم التي ترتكب يوميا تجاه الزوجة أو الأبناء أو الخادمات أو المرؤوسين.
الإساءة للخادمة على سبيل المثال ممارسة تحدث يوميا في البيوت العربية، وتتراوح الإساءة بدءا من الإساءة اللفظية حتى الإسائة الجنسية والجسدية، وقد تصل إلى القتل، القوانين العربية ليس لديها الآلية لمواجهة هذا النوع من العنف، وفي الحالات النادرة التي واجهتها ، كان المحرك الأساسي للحكم ليس الإساءة ولا الجريمة التي ارتكبت بحق الخادمة، ولكن كان ضغط وسائل الإعلام هو المحرك آلة العدل البطيئة.
أما في الغرب فيمكن أن يصدر القضاء الأمريكي حكما بالسجن 40 عاما على عربي احتجز خادمته ومنع عنها راتبها . كما حدث لشاب عربي مقيم في أمريكا تجاه خادمته الآسيوية، وكما حدث في سويسرا عندما استدعت السلطات هناك ابن القذافي للتحقيق معه بشأن إساءته لخادمته.
قس على ذلك العديد من الجرائم التي تتم تحت سمع وبصر المجتمع، ولعل بند العمالة أحد الأبواب الكبيرة التي يمارس وراءها العنف الوظيفي، وليس الباب الوحيد.
يجب أن نعيد تعريف الجريمة، لنضم تحت هذا التعريف مئات الجرائم التي يعتبرها المجتمع جرائم صغيرة، أو كما يقول البعض كذبة بيضاء. ولكن يكون لها في الحقيقة ضحايا وتأثيرات كبيرة مؤلمة.
العنف الاجتماعي في العالم العربي رغم عظم آثاره، يتم التعامل معه كتدخين السجائر، وإلقاء القمامة في الطرق، بينما هو في الغرب جريمة بشعة ترسل مرتكبها فورا إلى وراء القضبان.
نحتاج إلى إضافة العديد من الجرائم التي يصفها المجتمع بالصغيرة إلى قانون العقوبات ، بحيث يشتمل القانون على العقاب اللازم لكل جريمة صغرت أم كبرت . حتى لو كانت الجريمة نظرة احتقار ، ليس ذلك فقط، ولكن الأهم وضع الآليات التي يمكن المحققين من إثباتها، لأن الكثير من الجرائم تضيع تحت الضغط الاجتماعي والمجاملة والظروف الاقتصادية . مثال ذلك تنازل الزوجة عن العنف الصادر من زوجها مقابل بقائها زوجة وعدم حملها لقب "المطلقة"، وتحرج الأبناء من تقديم شكاوى ضد آبائهم تجنبا لكلام الناس، وقانون العيب الاجتماعي.
يجب أن نضيف إلى قائمة المسجلين خطر المجرمين الذين يمارسون جرائمهم بثقة دون مبالاة أو اكتراث أو ضمير، لعدم وجود تصنيف اجتماعي لها، وإصرار المجتمع على "الاستهبال" ووصفها بالصغيرة.