يتفاوت البشر في الأفكار والقدرات ومستويات الأداء، فلا يوجد مجتمع كل أفراده عباقرة، ولا يوجد أيضا مجتمع كل أفراده جهلاء، ففي كل مجتمع هناك دائما الجاهل ومتوسط الثقافة والمثقف والعالم، وفي هذا الاختلاف حكمة تتفق مع الأمر الإلهي بالسعي، فكل يعمل، وكل يسعى ليكون أفضل.
والقدرات نفسها تختلف من إنسان لآخر، ومن مجال لآخر، ففي الوقت الذي تجد إنسانا موهوبا مبتكرا مبدعا، هناك آخر ضعيف الأداء يحتاج إلى عكازين لكي يؤدي عمله، أيضا قد يتميز شخص في مجال معين، ويتميز زميله في مجال آخر، ولذلك أسباب تعليمية وبيئية وثقافية، وربما جينية ووراثية.
المشكلة أن النظام الإداري والوظيفي في معظم الدول العربية لا يراعي الفروق الأدائية والمهارية بين الموظفين، والعاملون في المؤسسات يتحركون كالدمى الآلية في متوالية عجيبة لا تتوقف، لا يحق لفرد أن يسبق الآخر، وليس بمقدور شخص أن يتأخر عن رديفه. كل له دور وتوقيت سواء في التوظيف أو الترقي أو التقاعد، أيضا قواعد الترفيع لدرجة أعلى مقننة وثابتة لا يمكن تعديلها أبدا.
نظام الدرجات والكوادر الوظيفية المرتبطة غالبا بالشهادة الدراسية والعمر والزمن، والحوافز التي تعطى ـ كالملبّس ـ للجميع . يعيق ذوى القدرات الخاصة ويمنعهم من الصعود، ويدهس الكثير من الموهوبين والمبدعين، وكم من مبدع دفنته اللوائح الوظيفية الثابتة التي لا تتغير تحت الركام.
أحلم بنظام وظيفي عربي يتضمن ممرا آمنا لكل موهوب ومبدع للارتقاء والعطاء، نظام ينص على آليات وإجراءات وآليات لانتشال المجتهد والكفء والمبدع، يأخذ بيد كل المهارات الخلاقة، ويمنحها الفرصة للترقي. ذلك النظام لن يكون فقط لصالح الفرد ولكن سيكون أيضا لصالح المنشأة والمجتمع ككل.