المقالة الحقيقية أحد شيئين. إما فكرة خلاقة ، أو فكرة عادية معبر عنها بأسلوب خلاق. أي أن الخلق والإبداع والجدة والأصالة عناصر رئيسية لا يمكن التجاوز عنها في المقال، فالمقالة تختلف تماما عن التقرير الصحفي والخاطرة الشعرية، ونشرة الأرصاد الجوية. المقالة قطعة من اللحم والدم . نزيف طوعي وحروف مشتعلة ووجع مستمر.
ولكن المشكلة أننا نرى الكثير من المقالات العادية الخالية من النبض والحياة، فهذا مقال يتحدث عن الثانوية العامة والصعوبات التي تواجه الطلاب الدارسين بها، وهذا آخر ينقل للقاريء مقتطفات من معلومات كونية وعالمية، وهذا ثالث حاول أن يقدم الجديد فلجأ إلى تقديم العبارات المسجوعة والألفاظ المتشابهة التي تعتمد على المفارقة والتي تتضمن حكما وأمثالا.
النموذج الأول لا نعارض الهدف الطيب من ورائه، وهو مناقشة محنة الثانوية العامة، والتوتر الذي يصيب الطالب والعائلة والمجتمع كل عام بسببها، ولكن ذلك ما يمكن أن يقوم به التحقيق الصحفي وليس المقال.
أما النموذج الثاني الذي تكبد كاتبه مهمة عظيمة وهي نقل المعلومات فذلك ليس من مهام المقال، فالمعلومات يمكن أن يحصل القاريء عليها من المعاجم والكتب الموسوعات. أما صاحبنا الذي فضل أن يقدم العبارات المسجوعة التي تعتمد على التورية ليقدم من خلالها حكما وأمثالا. فإنه على الرغم من جهده الجهيد . هذه ليست الوظيفة الحقيقية للمقال.
وإن كان يذكرني ذلك بإغراق شعراء العصر العباسي في التكلف والإفراط في المحسنات البديعية مما تسبب في ركاكة الشعر.
المقالة الحقيقية نص إبداعي صادم لا يصلح للتسلية أو لدغدغة المشاعر، أو حتى للتثقيف المباشر، المقالة سلاح للتنوير والتثوير والتطهير والإصلاح، تقدم الأفكار الجديدة الخلاقة التي تفيد المجتمع والعالم، والكاتب الحقيقي عالم يبحث في كيمياء اللغة لتقديم أفكار جديدة، ولا يصح تسطيح المقالة وإفراغها من مضمونها وتوظيفها لمناقشة أفكار تافهة أو موضوعات مكرورة.
المقالة قد تكون مدببة كالخنجر. تجرح وتكشف وتقتل، وقد تكون مثل بودرة التلك الملطفة التي يضعها الحلاق على قفا المرء بعد أن ينهي حلاقته، فتخير هدفك.