يقول الماثور الشعبي المصري "الملافظ سعد" بمعنى أن الإنسان يجب أن يتخير ألفاظه، فاللفظ يمكن أن يبعث السعادة في النفس، .. "اللفظ"، هذا الكائن البسيط يمكن أن يصنع المعجزات، يشفي، ويداوي، ويسعد الناس.
أنظروا ماذا يحدث للعاشق إذا سمع كلمة ودودة من حبيبته، الموظف كيف يكون سعيدا لو امتدح رئيسه عمله، أو حتى قال له "يعطيك العافية"، السعادة التي تنتاب الزوجة إذا امتدح الزوج طبخها، الإنسان دائما بحاجة إلى التقدير والترحيب من الآخرين، حتى ولو جاء ذلك بكلمة .. مجرد كلمة.
ومهما كانت الحقيقة مؤلمة على المرء أن يختار الألفاظ المناسبة التي لا تزعج الناس وتنفرهم، يقول الرسول الكريم "بشروا ولا تنفروا" أي خذوا الأمر على جانبه الحسن ، فإذا كان في الأمر جانبين، خير وشر، فقدموا التبشير بالخير.
على سبيل المثال عند الحديث عن الموت والحساب، فمن الأفضل الترغيب في العمل الصالح بأن نعدد الجنة ومحاسنها، وذلك أفضل من التذكير بعذاب القبر، والشجاع الأقرع، وأهوال يوم القيامة.
ولكن البعض لا يعترفون بهذه القاعدة الاجتماعية الجميلة التي هي في الأساس إتيكيت إسلامي للذين يرمون الدين بالغلظة والتقليدية، بينما الإسلام العظيم دين الذوق واللطف والمعنى الجميل.
البعض لا يعترفون بأن الألفاظ "سعد"، ويلقون بكلماتهم الغليظة هكذا "كالدبش" في وجهك، دون كياسة أو لباقة، ولا يهمه إن تسببت كلمته في "تعوير" الشخص، أو جرح مشاعره، أو حتى قتله.
حتى في المرض على الطبيب أن يختار الأسلوب المناسب لإخبار مريضه. بعض الأطباء يخبرون الطبيب هكذا "ستموت بعد ستة أشهر" .. "لا أمل في الشفاء"، فيدمرون أهم عنصر في المرض والصحة ، وهو الأمل.
أحد المرضي راجع طبيبا في دولة عربية، وكان الطبيب متدينا، وبمجرد أن أمسك الطبيب الأشعة الخاصة بالمريض راح يتمتم "لا حول الله " و"لا حول ولا قوة إلا بالله"، "يارب"، فتوهم المريض أن سبب تعبيرات الطبيب مرض خطير يعاني منه، وتكشف عنه الأشعة. فسقط مغشيا عليه.
التفاؤل يغير الواقع ، حتى لو كان الواقع ميئوسا منه، والأمل يمنحك الطاقة للتغيير، ولدينا في الفتوحات الإسلامية الكثير من الأمثال فكم من مرة أحرزت فئة قليلة من المسلمين النصر على جحافل الأعداء، قال تعالى "وكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله".
لذلك حثنا الإسلام على التفاؤل، وإحسان الظن بالله، وحذر من "التطير" و"إساءة الظن"، وقال "إن بعض الظن إثم"، وأمرنا بالدعوة إلى الله "بالحكمة والموعظة الحسنة" وقال تعالى لنبيه "لو كنت فظا غليظ القول لانفضوا من حولك".
أحد الأصدقاء الأعزاء كتب ملاحظة على "الفيس بوك" تقول "مصر أم الدنيا وأبوها كمان" فتوالت الردود الفرحة بهذا الشعور الجميل من أصدقاء وصديقات، وتمنياتهم بمستقبل أفضل لمصر بعد الثورة، ولكن فجأة كتب أحد الأصدقاء الأعزاء أيضا معلقا، وقال "هذه بداية النهاية".
لن أتطرق هنا للمواقف المتباينة من الثورة المصرية، فعلى الرغم من كثرة المؤيدين لثورة مصر، هناك بعض المعارضين لها، وذلك شيء طبيعي، وليس من حقنا عن نحجر على الآراء، حتى لو اختلفنا معها، أيضا ليس من حقنا إساءة الظن، مهما كانت قسوة المواقف، ولكن ما يعنينا هنا هو الملافظ ، بمعنى أوضح "الملافظ السعد".
لا أمنعك من النقد، ومن التحذير، حتى من التشاؤم، ولكن يجب عليك في كل الأحوال أن تنقد بحب، وتحذر بحب، وتتخوف بحب، "الحب" هي الكلمة السحرية التي ستجعل كل ما تقوله مقبولا ، حتى ولو كان ماتقوله أسوأ الأخبار، يقول المثل المصري أيضا "لاقيني ولا تغديني".
أهم مقوم للناقد هو الحياد، ، فلا يصح أن تنقد شخصا بينك وبينه خصومه، يجب أيضا أن يكون أساس نقدك هو الحب ، فالناقد لا ينقد لكي يفضح "المنقود" ويشهر به، أو يشمت فيه، ولكن الناقد الحقيقي هو الناقد المحب الذي يهدف من النقد أن يكون المنقود أفضل وأفضل.
كثير من المعارك نخسرها رغم موقفنا القانوني السليم، والسبب "الملافظ"، كثير من الصفقات والوظائف والعلاقات نخسرها من أول جولة، لأننا اهتممنا بالجوهر، ولم نهتم بالأسلوب. يحدث ذلك في علاقاتنا الاجتماعية والدراسية والوظيفية . بل يحدث حتى في السياسة . يحدث ذلك كله رغم أن "الدين المعاملة".
الكثير من قصص الحب الجميلة تنتهي بسبب الأسلوب، عندما لا يجيد العاشق إيصال مشاعره، الكثير من علاقاتنا مع الجيران وزملاء العمل تتأزم وتتحول إلى معسكرات عدائية بسبب الغلظة، وسوء الفهم، والشدة، والعنف . الكثير من معاركنا السياسية نخسرها رغم تلال الوثائق التي نحملها. لأننا لا نعرف أسلوب الحوار والإقناع والتفاهم مع الآخرين.
الفوز لا يتحقق فقط بركام الوثائق والحقوق الثابتة، ولكن يتحقق بالذكاء والأسلوب، ومهارات الحوار والتواصل الإنساني . البعض يكون الحق معه، ولكن بالصياح والتلويح بالأيدي والشد والجذب يخسر القضية، ويلزمه القاضي بأتعاب المحاماة.
"الملافظ سعد" تعبير شعبي بسيط، ولكنه يتضمن حكمة بليغة، وسر من أسرار السعادة والفوز والنجاح، ولكن البعض يصرون على إلقاء كلماتهم "كالدبش" في وجوه الناس، فيجرحونهم، ويخسرون بذلك القضية من أول جلسة.