لدي انطباع راسخ وهو أن ثقافتنا العربية ثقافة الحزن، والسبب ليس واحدا، وإنما هناك حزمة من الأسباب، فـالحزن له مكانة كبيرة في حياتنا منذ القدم، فمنذ العصور القديمة و"المعاناة" معيار نقدي لإبداع الشاعر، و"الرثاء" غرض أصيل في ديوان العرب، والشاعر عندما يبدأ قصيدته حتى ولو كانت مدحا يجب أن يبدأها بالبكاء على الأطلال.
انظر إلى تراثنا الغنائي ستكتشف أن معظم أغانينا هم وغم، عبارة عن دموع وبكاء وعويل، أما تراثنا الأدبي معظمه تراجيدي، مليء بالقصص الحزينة التي تقطع القلب، وفي تراثنا الاجتماعي، الضحكة عزيزة، تصاحبنا الدموع حتى في لحظات الفرح، و"التطير" عادة شعبية، وعندما يضحك الواحد منا من قلبه يهمس في سره "اللهم اجعله خير"، وإذا ضحك في مناسبة ما تزجره النظرات، لأن "الضحك "مسخرة" والمثل يقول "الضحك من غير سبب .. قلة أدب".
لذلك لا تندهش عندما ترى الكآبة تسكن الشوارع والوجوه، والعلاقات الزوجية، ولوحات الحائط ، وفرش الأسنان، والستائر، حتى ألوان الملابس، ولذلك يجتر الإنسان العربي دائما التاريخ ويعظم الذكريات، ولا يفكر ولو للحظة في الحاضر أو المستقبل.
الحزن صفة إنسانية، نحترمها ونتعاطف معها .. نعم، ولكن يجب أن لا تكون منهجا للحياة، إنفضوا عناكب الحزن، وأقنعة التجهم وازرعوا الفرحة في كل مكان، وابتسموا حتى تبدو أسنانكم البيضاء، اضحكوا من قلوبكم، بسبب أو بدون سبب، فالحياة حلوة، يجب أن نعيش كل لحظاتها بفرح وسعادة.