1 + 1 = 2 ، ولكن في هذا العصر النتيجة 20، أو 30 ، هكذا بكل بساطة، عندما يشيع الجهل تتراجع القواعد، ويضع كل شخص قانونه الخاص، عندما يتراجع الأكفاء ويجلس على الكراسى الجهلاء يبرز أي شخص ليؤكد لك ـ ببجاحة ـ أن الشمس تطلع بالليل، وأن الفيل يطير، والذبيح هو الجاني، والقاتل المأجور أحول العينين .. ملاك.
مادام هناك نص، فهناك دائما تفسير له، وهناك بالتالي جهابذة لتفسير النص، وشرحه، وتحليله، وتأويله. مادام هناك مولد ، فلابد من وجود الحواة ولاعبي السيرك، والفتاة التي توضع اللمبة على شعرها فنير، وعلى بطنها تنير. مادام هناك ضعف في الإيمان سيبرز ضاربوا الودع ومفسرو الأحلام.
التفسير زرع شيطاني، "سبوبة"، .. مهنة اخترعها البعض في ظل البطالة والفساد الاجتماعي والسياسي، لذلك امتلأت الساحة بالمفسرين والمنظرين والمفتين الذين يطلقون النظريات والفتاوى هنا وهناك، يعملون بجد على تضليل الناس، يشبهون في ذلك المشعوذ، الذي يحرك رأسه يمنة ويسرة، ويلقي البخور على الجمر، ويمد "بوزه" ويصرخ في وجهك "برررررر .. أشتاتا .. أشتوت".
الثقافة العربية مولعة بالتفسير، فعندما يوجد نص، يوجد مفسر له، ويوجد بعد ذلك مفسر للتفسير، وبعد ذلك يوجد مفسر للتفاسير، ليصبح التفسير مجموعة من الأحاجي والألغاز .
إذا أردت التأكد من ذلك اقرأ نقدا أو تحليلا لقصيدة أو لوحة، ستكتشف أن الكاتب ـ أعزه الله ـ أغرقك في تحليلات وتهيؤات لدرجة تسأل نفسك عندها .. "هوه الموضوع الأساسي إيه"". في كثير من الأحيان يحتاج تحليل النص الأدبي إلى محلل جديد يفك لنا ألغازه ومصطلحاته المقعرة.
في الثقافة العربية يوجد الجناس والطباق والمحسنات البديعية ، ويوجد أيضا "التورية" وهي اللفظ الذي يحتمل معنيين لكي يضلل الناس، الثقافة العربية لغة تأويل وإطناب وإسهاب وثرثرة .. لا تصل أبدا إلى المعنى مباشرة. هناك دائما طرق ملتوية، .. هناك دائما وسيط بينك وبين المعنى الذي تريده، ولن تتمكن من التعبير عن المعنى دون المرور على التشبيه والاستعارة، والحركات، والأيمان المغلظة.
لذلك كان النص في اللغة العربية قابلا للتأويل .. ليس فقط التأويل، ولكن الشرح والتفسير والتحليل، النص يمكن أن يؤخذ على أكثر من وجه، وهنا مكمن الخطر.
خدعة النص أوصلتنا إلى فوضى المعاني والفتاوى والمواقف، فأصبح لكل دولة "شيخ"، بل وأصبح لكل مذهب مرجعية، وأصبح لكل حاكم مفتى يتحرك بالخيوط كما يحدث في مسرح العرائس.
هناك ولع عربي قديم بالفوازير والأحاجي والغموض وعالم الغيب، حتى إذا كان النص واضحا لا ريب فيه ولا لبس فيه، سنجد من يفتي فيه، ويدلي كل شخص بدلوه . اجلس مرة في جلسة شعبية، واسأل عن مرض معين ، لن يقول أحد "لا أعرف"، سيتبارى الحاضرون في وصف العلاج، حتى ولو لم يعرف أي منهم شيئا . هناك شهوة للكلام وإبداء الرأي .
الحرام بين والحلال بين، ولكن عند البعض الحرام يحتاج إلى "خبير" لسبر أغواره، والحلال يحتاج إلى "اختصاصي" لتوضيحه، ولا أدري السبب، هل حرمان الشخصية العربية من حق الرأي السبب، هل القهر الاجتماعي والسياسي يدفعان الناس إلى التعويض بالثريرة والحديث بلا علم، والإفتاء بلا سند؟.
دفعنا جميعا ثمنا غاليا لتفسير النص، ففسر كل منا النص على هواه، وأصبحت "النصوص" وسيلة للعب والخداع والقمع السياسي والاجتماعي، وفقدت الفتوى هيبتها، وأصبحنا نرى العديد من الفتاوي المضحكة والموجهة والمسيسة مسبقة الدفع.
الذين يرفضون النص من الأساس أراحوا واستراحوا، ولكن المشكلة فيمن يعلن التزامه بالنص، ولكنه يفسره "على مزاجه". والنص قد يكون قانونا أو كتابا دينيا أو قواعد وظيفية .
أفرزت فوضى النصوص حالة غريبة، فالبعض يمارس الخطايا باسم الدين، ويرتكب الجرائم بالقانون . ويسرق المال العام باللائحة، أصبحت "النصوص" في ظل فوضى التفاسير وسيلة إجرامية بدلا من أن تكون وسيلة للإصلاح والتهذيب وإقرار العدل.
نحتاج إلى آلية خاصة للتعامل مع النصوص، حتى لا تكون مصدرا للشر، والدمار والانحلال والظلم. وذلك بتحديد مباديء التعامل مع النص .. أي نص، ووضع الضوابط التي تمنع الأهواء والاستغلال والأغراض الشخصية .. وليتنا لا نقصر الأمر في ذلك على مرجعية واحدة ، لأن هوى الشخص الواحد متوقع، ولكن هوى الجماعة نادر.
احذر الوقوع في غواية النص، لا تأخذ التفسير على عواهنه، فقد يكون خدعة أو لغم أو شرك، واستعن في الفهم بأدوات أخرى كالعقل والمنطق والإيمان والثقة. بذلك تتجنب الأشواك، وتكسب الثمرة الرائعة.