ماهو شعورك إذا منحوك قميصا ضيقا، وطلبوا منك ارتدائه؟، ماذا تفعل؟، ستحاول أن ترتديه ، ستدخل ذراعك الأيمن بصعوبة، بعدها ستحاول أن تلتفت لتدخل الذراع الأيسر، ورغم الصعوبة ستحاول، وبعد جهد جهيد ستدخل ذراعك اليسرى، لتأتي بعد ذلك المشكلة الحقيقية، لأن جانبي القميص لن يتطابقا، وستصبح تشبيك الأزرار عملية مستحيلة.!

ستحاول يائسا، ستضغط بكتفيك لتصل إلى الهدف، فإذا وفقك الله ونجحت ، سيكون المشهد بائسا، فضلا عن حالة مزمنة من عدم الارتياح ستلازمك، أما إذا حاولت أن تتمطع قليلا ستسمع صوت "زييييييق"  لقد تمزق القميص، وأصبح شكلك مضحكا. 

 كثير من الناس يعملون في وظائف لا تناسب إمكاناتهم، فيظهرون كمن يرتدي قمصانا ضيقة لا تتسع لهم، وبالمثل هناك أناس يرتدون قمصانا فضفاضة جدا، ويشغلون مناصب كبيرة جدا عليهم.

وفي المقابل، هناك أشخاص كبار يجلسون على كراسي صغيرة جدا تشبه كراسي الأطفال، وهناك في المقابل أشخاص صغار جدا كالأقزام يجلسون على كراسي كبيرة جدا، فلا تراهم، إذا دخلت على أحدهم ، وقلت "السلام عليكم" لن تجد أحدا، ولكنك إذا اقتربت من المكتب ستجد رجلا صغيرا جدا غارقا في قميص كبير مترهل.

 لا أدري من المسؤول عن هذه الصورة الهزلية الساخرة؟، هل النظام الإداري التقليدي الغبي الذي يتعامل مع الناس كآلات، ولا يقدر أن البشر تختلف مهاراتهم وإمكاناتهم؟، أم أنه الحظ الذي يقفز بشخص كالبراشوت إلى منصب مدير عام في التلفزيون، بينما يهبط بآخر للعمل في أرشيف مدرسة ابتدائية؟، أم أن السبب هي الواسطة أسوأ ظاهرة اخترعها العرب؟.

هذا الخلل الوظيفي الرهيب ظاهرة عربية، ورغم وجودها في الخارج،  إلا أن هذه الصورة بتفاصيلها الدامية لا تجدها إلا في ديار العرب، في الغرب مقوم النجاح الوحيد هو الكفاءة، لا يهم ماهو اسمك أو جنسك أو دينك أو مذهبك السياسي، ولا يهم حتى أخلاقك وممارساتك الخاصة، المهم هو كفاءتك وقدرتك على أداء مهامك بكفاءة.

  أما في العالم العربي فهناك الواسطة والمال والقرابة والعزوة والقبيلة.. ، من يملك إحدى هذه المقومات سيعين فورا،  أما من لا يملك فليشرب من البحر، وتكون النتيجة المفجعة احتلال ذوي الإمكانيات الضعيفة المناصب، بينما أصحاب القدرات والكفاءات العالية مطمورون تحت التراب.

 ورغم الدرب الموحل تصل قلة قليلة من الكفاءات،  وتتمكن من النجاح،  وانتزاع فرصتها بأظافرها وأسنانها، ولكن الكثرة تتعثر في الطريق الطويل، وتدوسها العجلات الغاشمة، والنتيجة ستكون في النهاية .. الخراب.

يجب نسف نظام التوظيف العربي الذي يعتمد على العدد، ووضع نظام إداري جديد يضع معايير جديدة للتوظيف، والترقية، والارتقاء، والرواتب، وأن يحدد ذلك تبعا للمهارات، والامكانات الشخصية، نظام يتضمن في آلياته لجنة عليا لها سلطة المراجعة لقرارات وتعيينات المعارف وأصحاب الوسائط المتعددة، والترقيات والعمولات والمكافآت التي تمنح للأقارب والحبايب والشلة و"البشكة"،  ويحرم منها الأباعد.

 هذه اللجنة يكون من سلطاتها كشف قضايا المجاملة الوظيفية، والمحاباة واستغلال النفوذ الوظيفي،  وتجاوز القدرات الخاصة للموظفين، وشكاوى المبدعين، وتحويلها إلى النائب العام، واعتبار هذه القضايا من قضايا الفساد الإداري.

 نحتاج إلى ترزي ماهر يعيد تفصيل القمصان، ويمنح كل شخص القميص الذي يناسبه،  ترزي له قوة القانون، مزود بجرارات وونشات إزالة يضع كل شخص في المكان الذي يناسب إمكاناته. بذلك فقط يمكن أن ينهض البلد، بعد سنوات طويلة من الفشل والضياع.

 أي صديقي .. ابحث عن القميص الذي يناسبك، لا تقبل بقميص صغير لا يناسب قدراتك، وتتعلل بأن أكل العيش صعب،  فالرزق على الله، ولا تقبل أيضا قميصا مترهلا، فتصبح أضحوكة بين صغار الحي.