هل نضبت الأفكار لدى مؤلفي الأعمال السينمائية، لنصل إلى هذه الصورة المكرورة والممجوجة من الموضوعات التي تقدمها السينما العربية؟.هل عجز الأدباء عن تقديم أفكار جديدة مبدعة تترجم واقع الإنسان العربي ومشاكله وهمومه التي لا تعد ولا تحصى، لنضطر عندها إلى اجترار الماضي، وإعادة تقديم أعمال قديمة مثل "ريا وسكينة"، و"العار"، و"رد قلبي" و"شباب امرأة"، و"سمارة" و"شفيقة ومتولي"، وغيرها من الأعمال التي تضفي علينا مساحة من الرتابة والملل؟.
مسلسلات تتحول إلى أفلام، وأفلام تتحول إلى مسلسلات، وكأن المشاهد فاقدا للوعي والفهم والتمييز، لينتج لنا في النهاية حالة غريبة من التكرار والفشل، ويتحقق بذلك المثل الشعبي الذي يقول "التاجر عندما يفلس يفتش في دفاتره القديمة".
يذكرني ذلك بموضة أخرى، وهي إعادة تقديم الأعمال الأجنبية، وهو ما يطلق عليه "تعريب أو "تمصير" الفيلم، حيث اعتاد بعض المنتجين على التفاخر بأن أفلامهم مأخوذة من أفلام عالمية، وهو أمر في الحقيقة يدعو إلى الخجل، لأن ذلك لا يعدو كونه سرقة علنية لجهد وإبداع الآخرين.
نفس الأمر يتكرر بصورة أخرى في البرامج التلفزيونية، حيث استشرت ظاهرة اقتباس أفكار البرامج العالمية مثل "ستار أكاديمي"، و"سوبر ستار" ، و"من سيربح المليون"، و"الأخ الأكبر"، و"الخاسر الأكبر"، و"الرئيس" .. وغيرها .. هذا الولع المحموم بالإعادة والنقل والسرقة والاقتباس والتعريب، يؤكد حالة الفقر الإبداعي الذي أصاب العقل العربي.
قد أتفهم أن تحول رواية عربية أو عالمية مثل "البؤساء" أو "عمارة يعقوبيان"، و"المنسي"، و"الأيام"، و"شقة الحرية" وغيرها إلى أعمال سينمائية، أو تلفزيونية، حيث كانت الرواية دائما رافدا مهما للسينما والدراما العربيتين، ولكن ما لا أستطيع تفهمه هو عملية النقل المستمرة التي تترجم الولع بالمستورد، وهو ما يسمى شعبيا بـ "عقدة الخواجة".الغريب أن ذلك يحدث في ظل الانفتاح الفضائي الذي جعل العالم شاشة صغيرة، وأصبح المشاهد العربي يتابع الأفلام الأمريكية والروسية والصينية وأفلام بلاد الواق واق.
أما الأفلام العربية التي تصدر على مدار العام والتي كتبها مؤلفون حقيقيون، فقد عانت من جرثومة التكرار، فكثير من الأفلام متشابهة الأفكار، حتى في تسلسل الأحداث، وقد تسبب ذلك في تشويه سمعة الفيلم العربي، حيث أصبح يضرب به المثل في التكرار والمط والتطويل، حتى أصبح المشاهد يتوقع من المشهد الأول باقي الأحداث، فضلا عن النهاية السعيدة المكرورة، والتي تتلخص في زواج البطل بالبطلة، وسط التهاني والزغاريد.
الفيلم السينمائي يجب أن يقدم الجدة والابتكار، بدءا من الفكرة، ومرورا بالسيناريو و"الحبكة" والتشويق والتصاعد الدرامي، ونهاية بالإخراج والإبهار والمؤثرات، والفكرة هي حجر الزاوية في نجاح أي فيلم.
الحل برأيي يكمن في العودة إلى "الواقع" من خلال أرشيف المحاكم الممتلىء بالأفكار المدهشة التي خطها عقل الإنسان بخيره وشره. الواقع كنز الأفكار الذي لم يستغل بعد، والذي يمكن عن طريقه تجديد مياه السينما الراكدة، وإنقاذ الفيلم العربي من سمعته السيئة التي سرت في عموم البلدان.