أفكر في كتابة رسالة إلى السيد جوزيف بلاتر رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم FIFA ألتمس فيها تغيير قوانين كرة القدم. أول بنود التغيير التي سأطلبها تغيير النظام الحالي الذي يقضي بأن يكون هناك فائز واحد في المباراة، وأن يتلطف ويجعل في كل مباراة فائزين، لأننا نحن العرب ـ خلافا لجميع شعوب العالم ـ نرفض الهزيمة الكروية، ونعتبرها عار كجرائم الشرف ، يقول الشاعر "لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى .. حتى يراق على جوانبه الدمُ" ، ندخل المباريات رافعين شعار " الفوز التام أو الموت الزؤام"، ندخل ساحة الملعب محملين بالشوم، رافعين شعار "البحر وراءنا والعدو أمامنا".
من المطالب أيضا التي سأرفعها للعم بلاتر أن يتعامل بشيء من الأبوية مع أبنائه المشجعين العرب الذين يأخذهم الحماس قليلا ، ويهجمون على مشجعي الفريق المنافس، ويوسعونهم ضربا وركلا ، ويكشفون عن أعضائهم التناسلية، واعتبار ذلك شقاوة، شكل من أشكال اندفاع الشباب، وأحد مظاهر مرحلة المراهقة التي مررنا بها جميعا، ومر بها السيد بلاتر نفسه، واعتبار ذلك من قبيل تفريغ الشحنة النفسية الإيجابي الذي يساعد على تكوين الشخصية السوية.
من المطالب التي سأطلبها من السيد بلاتر أيضا أن "لا يحبّكها" كما يقول التعبير الشعبي، ويسهلها حتى يسهل الله عليه، وأن يصدر تعميما على الحكام بأن لا يضيقوا على الناس، و"يضعوا العقدة في المنشار"، وأن يتجاوزوا عن لمس الكرة باليد، ـ تجاوز الله عن سيئاته ـ فإذا أدخل اللاعب الكره بيديه في مرمى الفريق المقابل فلا حرج عليه، واعتماد النية فيصلا في هذه النقطة، فهو كان يريد إدخال الكره بقدمه، فنسى وأدخلها بيده، و"جل من لا يسهو"، تخريجة أخرى وهي أن الكرة المزواجة من المؤكد أنها هي التي لمست يده، ثم انتقلت بواسطة الدفع الذاتي إلى المرمى، لذلك لا غبار على اللاعب، والهدف ـ وفقا للمصطلح الكروي ـ نظيف.
السيد بلاتر يجب أن يقدر الموروث الثقافي للعرب، والتركيبة الاجتماعية الخاصة بهم، والتي تتكون من قبائل تتعصب لحسبها ونسبها وللاعبي الكره بها، وتهجو كل من يتعرض لها، وأن يقدر حالة الهياج التي تنتاب بعض المشجعين الذين ينقضون ـ في لحظة غضب ـ على مشجعين واللاعبين، ورجال الأمن، ويوسعونهم ضربا وركلا، ويحطمون مقاعد الإستاد اعتراضا على خسارة فريقهم، وأن يرجعها إلى التعصب العنصر الأصيل في الـ DNA العربي.
على السيد بلاتر أن "يتجاوز" عن "تجاوزات" أبنائه المشجعين، ويعتبرهم مثل أبنائه، "إن كبر ابنك خاويه"، حتى لو حولوا الملعب إلى ساحة حرب يعلوها الدخان، ورفعوا السنج والمطاوي والسكاكين والشماريخ، و"خرشم" البعض وجوه البعض الآخر، لأن في الأمر فائدة اقتصادية، وهي ازدهار مبيعات السكاكين.
سبب آخر جوهري، وهو أن العربي يكره بكلمة، ويحب بكلمة، وإذا أصابه عربي آخر وفقأ عينه، سيصفح بمجرد تقبيل الرأس، ويبتسم الأعور ببلاهة كالمصاب بالزهايمر. العرب كالأطفال يتشاجرون في لحظة، ثم يتصالحون في اللحظة التالية، العربي عندما يكره يفجز، بمجرد أن تفوز على زميلك يشهر في وجهك المطواه.
يعلم السيد بلاتر أن عادة تقبيل الخشوم عادة عربية أصيلة، وكم من الجرائم التي ارتكبها العربي تجاه شقيقه العربي، كم من المذابح ارتكبها العربي ضد العربي، كم من مواقف الخزي والعار والخيانة ارتكبها العربي ضد العربي، وقد عبر نزار قباني عن ذلك عندما قال " إن قضاءنا العربي أن يغتالنا عربٌ .. ويأكل لحمنا عربٌ .. ويبقر بطننا عربٌ .. ويفتح قبرنا عربٌ .. فكيف نفر من هذا القضاء ؟ " ، كم من وصلات الردح العربي والاتهامات بالعمالة والخيانة انتهت بتقبيل الخشوم.
يجب أن يتفهم رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم هذا الهوس العربي بتحقيق الفوز، حتى لو كان بالضرب، أو الرشاوي، أو التهديد، أو السحر والشعوذة، فالمواطن العربي محروم من معظم حقوقه، ومع تزايد غضب الشعوب، لا مفر أمام هذه الأنظمة من إلهاء الشعوب المسحوقة بالكرة، والفوز مخدر نفسي فعال يجعل الناس تهلوس كما تفعل المخدرات، وتتناسى المشاكل الاقتصادية، وطوابير الخبز، والعدالة، والديمقراطية، والأحلام الكاذبة.
الشعوب العربية تتوق للفرح، لأنها أدمنت الحزن والقمع والهوان، تتوق إلى الفوز الخارجي، لأنها أدمنت الهزيمة الداخلية، حتى أنها باتت تحتفل بأي حتى ولو كانت الهزيمة. . تصور.
حقيقة أخرى يجب أن تؤخذ في الحسبان، وهي أن العرب فاشلون في الكرة، ومبارياتهم "تفقع المرارة" ، والدليل على ذلك تأرجح المستوى كالأرجوحة، فمرة فريق يهزم بطل العالم 1/ صفر، ثم يهزم من أضعف الفرق الإفريقية 4/ صفر، وفريق آخر يهزم بطل أفريقيا 1/ صفر، ثم يهزم من فريق مغمور 5/ صفر. شيء يجلب مرض الضغط والسكر وشلل الأطفال.
أعترف أن هناك صعوبات ستواجه السيد بلاتر في سعيه المخلص لتغيير قوانين الكره من أجل عيون العرب، وحتى لا يتهم بالمحاباة من الممكن أن يخترع لهم لعبة سهلة تناسب ذوي الاحتياجات الخاصة على غرار "الاستغماية"، أو "كولوا بامية"، أو "صلّح" .. ، كرة قدم جديدة، و"ياريت" تكون مزيجا بين كرة القدم والمصارعة الحرة، ليكون بوسع اللاعبين فيها الضرب والبطح والنطح والضرب على القفا، و"الكعبلة" وتلميس الأكتاف، والفوز بالضربة القاضية، عمل الإشارات الخارجة بلا حرج.
المهم أن يكون بالمباراة فائزان، حتى يعم الفرح الجميع، و"يادار ما دخلك شر"، ويعم الانبساط البلاد والعباد، وينتعش اقتصادي البلدين، ويحقق الخطاطون والباعة الجائلون وباعة الترمس والسجائر الرواج.
بذلك نحقق سبقا تاريخيا عندما تخرج جماهير الفريقين ـ لأول مرة ـ لتتعانق وتقبل الخشوم بعد الفوز المزدوج، وتخرج في كلا البلدين بعد المباراة المواكب التي تحمل صور الرئيس مزينة بالأكاليل، لتهتف بالنصر العظيم، ويتعاطى الشعب مخدر الفرح اللذيذ، وينسى..!