التاريخ مصاب بالزهايمر ينسى بسرعة، إذا أحسن المحسن احتفلنا به، وأقمنا له ندوات التكريم والخطابة، وبعد أشهر قليلة ننسى كل شيء، وإذا أجرم المجرم استنكرنا وأرغدنا وأزبدنا، وأطلقنا بيانات الشجب والاستنكار، وبعد شهور أيضا قليلة ننسى كل شيء، وكأننا نكتب فوق الرمال. أو نحفر سطح فوق الماء.
مئات الجرائم التي ارتكبها أشخاص وعصابات ودول، رغم فظاعتها وآثارها المدوية .. بعد سنوات قليلة نسيها الجميع، فالإنسان أكثر ميلا إلى النسيان بطبعه البشري والجسماني، وأحيانا "يتناسى" المرء الأشياء . إما لمداراة عجزه عن مواجهتها على سبيل التحايل النفسي . أو أن الحقيقة مؤلمة، فيصبح النسيان هنا كالأفيون أو حبوب الهلوسة تفصله عن الواقع، وتحلق به ـ واهما ـ إلى عوالم أخرى كاذبة.
باختصار ذاكرة التاريخ مثقوبة، تسقط منها على الأرض أشياء كثيرة، وفي النهاية وبعد سنوات ـ للأسف الشديد ـ يتساوى الجميع. الحرامي والشريف، الخائن والبطل، والمجرم وضابط البوليس، وتضيع الحقيقة.
زد على ذلك أن هناك وسائل كثيرة يتبعها البعض لتزييف التاريخ، أبسطها الإعلام الذي يجعل ـ في بعض النماذج ـ المقتول قاتلا، والمقاوم إرهابيا، ولذلك كتب علينا أن نعمل دائما على تنشيط الذاكرة المصابة بالعتة، ووضعها على جهاز التنفس الصناعي حتى تظل نشطة متوثبة.
الأفلام الوثائقية والمتاحف والفضائيات والمحاضرات والندوات والمساجد والأنشطة الطلابية.. كلها وسائل يمكن استخدامها لتذكير الأجيال بواقعهم وتاريخهم، وهنا أقترح إصدار سجل ضخم نطلق عليه اسم "التاريخ" يوثق بموضوعية للأحداث الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تحدث، على أن تقوم جهة مسؤولة بالإشراف عليه وتوثيقه وتحديثه دوريا.. اقتراح قد يفيد لتنشيط الذاكرة العربية وإنقاذ التاريخ من الغيبوبة.
تاريخ الإضافة: 2014-04-14تعليق: 0عدد المشاهدات :1333