كثيرة هي المواقف التي نمر بها في الحياة، ونضطر فيها إلى تحمل ظروف مؤلمة وقاسية من أجل هدف لا يستحق. نضحي بالغالي والنفيس، ولا يستحق هذه التضحية، نقبل الألم والمشقة والعذاب..، خوفا من خسارة نظرية في علم الغيب، ولكنك إذا تأملت قليلا وحككت رأسك مفكرا ولو مرة ستكتشف أن تضحيتك الكبرى محض غباء، وأنك تجرى كالأهبل خلف السراب.
على سبيل المثال في كثير من الأحيان تتحمل الزوجة ظلم الزوج وبطشه وإهاناته وسوء عشرته، لعدم وجود عائل يعيلها إن طلبت الطلاق، أو خوفا من تشرد أبناءها بالانفصال، أو الحصول على لقب مطلقة، وما يمثله ذلك من عذاب في مجتمع لا يرحم.
يتحمل الموظف تعنت رئيسه وظروف عمل قاسية خوفا من عدم إيجاد وظيفة أخرى، وحتى لا يذوق العيال مرارة العوز، تتحمل الخادمة بطش مخدومتها وعذابها اليومي حتى لا تطرد ولا تجد لقمة العيش..، وهكذا يحدث في مواقف عديدة . يستعذب المرء العذاب، ويرضى بالظلم والغبن من أجل هدف مجهول، وهذا تستمر المعاناة، وكأننا في مسابقة عبثية في القدرة على التحمل.
ولكن إن دققنا في الأمر سنكتشف أن المستقبل بيد الله، وأن الطلاق ـ مثلا ـ ليس نهاية العالم، ولكنه ـ عندما تستحيل العشرة ـ يمكن أن يكون بداية لحياة أفضل، وقد يعتقد المرء أن خبرا سيئا مثل الطلاق أو الخسارة المادية أو ترك وظيفة أو فقد عزيز بمثابة كارثة عالمية، ولكن بنظرة إيمانية موضوعية سيكتشف الحقيقة، وأن الكارثة قد تكون بداية لخير مستتر، وأن في نهاية النفق ضوءا، وإن "بعد العسر يسرا"، و"عسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم، وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم".
النظرة الموضوعية الإيمانية للأشياء ضرورية لتحقيق السلام النفسي، والسعادة الشخصية والقدرة على تحمل الصعاب.