ماهو سبب تراجع الأغنية العربية في السنوات الأخيرة؟، ماهو سبب انهيارها السريع رغم استنادها إلى "تاريخ" من التراث الأدبي والشعري والغنائي الذي أنجزته أمة العرب من أيام زرياب، ولماذا وصل الانحدار إلى أغانينا إلى مستوى "بوس الواوا" و"أقف وأنت بتكلمني".
من الظلم أن نتهم الذائقة العامة للناس، فالجمهور مازال يستمع لفيروز ومحمد عبده، ويحتشد بالآلاف في حفلات محمد منير. المشكلة تكمن أساسا في الكلمة، العنصر الأهم في نجاح الأغنية وفعاليتها وتأثيرها، فالملاحظ الآن الضعف الفني لكلمات الأغاني، والسبب خلوها من أهم عناصر الشعر وهو الصورة الشعرية.
الصورة الشعرية هي الفرق بين الشعر والكلام العادي، والشاعر الحقيقي هو الباحث الذي يفهم كيمياء اللغة ويصنع من هذه العناصر مادة الشعر الفريدة، والصورة الشعرية تتكون من مجموعة من العناصر منها الاستعارة والتشبيه والجناس والطباق والبلاغة والخيال، والأغنية الحالية انحدرت إلى العادية، فكثير منها مجرد كلام يمكن أن يقال في الشارع. في حوار عائلي . في عتب بين أصدقاء.
أحد الأدلة على ذلك حرص بعض كتبة الأغاني الغريب على إدراج كلمات وتعبيرات وأمثلة دارجة جدا مثل "أنا مش بتاعة الكلام ده" و"إبقى قابلني" وهاوريك النجوم في عز الضهر"، وإذا وجدت الصورة الشعرية فهي غالبا عادية مكرورة سطحية ليس فيها جديد. بينما الصورة الشعرية المبدعة تتميز بالجدة والابتكار والإيحاء والإدهاش والقدرة على التأثير.
الصورة الشعرية هي ماء الشعر. بدونها يصبح كالحطب خالي من النبض والحياة، وخلو النص منها دليل على ضعف الكاتب وجهله بمقومات الشعر، وسبب أساسي في ظهور هذا الكم الهائل من الأغنيات الزاعقة التي لا لون لها ولا رائحة.